قبل الغارة الإسرائيلية على القنيطرة السورية، التي إستهدفت قياديين في "حزب الله"، كان التماهي بين بعض أركان قوى الرابع عشر من آذار والقيادات الخليجية، في الحملة على الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، هو الشغل الشاغل على الساحة اللبنانية، لا سيما بعد البيان الصادر عن رئيس الحكومة تمام سلام، وذهاب بعض الوزراء إلى حد الحديث عن "ضرورة" تقديم "إعتذار" رسمي إلى مملكة البحرين.
وعلى الرغم من التزام قيادات قوى الثامن من آذار "الصمت"، في الرد على هذه المواقف، كانت متابعتها ضرورية، خصوصاً أن طرح مثل هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء سيؤدي حتماً إلى تفجير خلاف من "العيار الثقيل"، نظراً لعدم إعتماد معيار موحّد في النظرة الرسمية إلى الأحداث في العالم العربي، حيث يحجز كل فريق موقعه الواضح في الصراع الإقليمي والدولي، ويتمترس خلف نظرية "النأي بالنفس"، التي لا تغدو أكثر من شعار لا يؤمن به أحد.
في هذا السياق، تقرأ أوساط في قوى الثامن من آذار بهدوء تفاصيل الحملة، فترى أنها مبرمجة لأهداف محددة، وتستغرب قدرة الفريق الآخر على قلب الحقائق، وتعتبر أن من الواجب تقديم مئات الإعتذارات الرسمية إلى الحكومة السورية، بناءً على المطالبات التي حصلت في اليومين الماضيين من قبل أركان قوى الرابع عشر من آذار.
وفي حين تؤكد هذه الأوساط، لـ"النشرة"، أن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام عبر الحكومة مجتمعة، تشير إلى أن رئيس الحكومة قد يقدم على مثل هذه الخطوة من دون أخذ موافقة الوزراء، بالرغم من أن البيان الذي أصدره أدّى الهدف المطلوب، ولكنها تسأل: "هل النأي بالنفس ينطبق على الأحداث البحرينية فقط؟"
الحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية واجبٌ لا يرفضه أي عاقل، هذا ما تؤكد عليه الأوساط، لكنها تشير إلى أن القيادات اللبنانية لم تقصّر في توجيه الإنتقادات إلى دول أخرى، أبرزها سوريا وإيران، وبعضها كان من موقعه الرسمي، فالموقف من القيادة السورية تخطى بأشواط البيانات الإعلامية والسياسية، فهناك من شارك بدعم المعارضة السورية بمختلف الوسائل، وذهب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أبعد منذ ذلك بكثير، عندما دعا صراحة المجتمع الدولي إلى إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية، بالإضافة إلى مشاركة قوى المعارضة السورية في النشاطات التي أقامتها هذه القوى، وفتح المنابر الإعلامية المعروفة، التي توجه في كل لحظة الإهانات الشخصية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ينبغي التعامل مع الأحداث التي تجري في بعض الدول العربية وفقاً لمعيار محدّد، لا أن يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، فما قاله السيد نصرالله عن إستيطان في البحرين سبقه إليه أكثر من قطب في الجانب المقابل، عندما وصف الجيش السوري بالجيش الإسرائيلي، مع العلم أن المعارضة البحرينية لم تتحول إلى مسلّحة، كما فعلت المعارضة السوريّة، ولم تسيطر القوى الإرهابية والتكفيريّة على معظم أركانها أيضاً، رغم أن الحكومة إستدعت تدخل قوات أجنبية لمساعدتها في مواجهة المتظاهرين.
وترى المصادر أن ما تقوم به قوى الرابع عشر من آذار يأتي في سياق "الواجب"، الذي تقدمه إلى القيادة السعودية قبل البحرينية، ويتم الضغط فيه من خلال التهديد بطرد المغتربين اللبنانين من بعض الدول الخليجية، مع العلم أن الأمين العام لـ"حزب الله" لم يقل بأي يوم أن كلامه يلزم لبنان الرسمي، في حين لم تتوقف بعض القيادات الخليجية عن إستهداف الحزب، والتحريض عليه عبر الدعوة إلى وضعه على لوائح الإرهاب العالمية.
في تفصيلها لتداعيات هذه الأزمة، تشدد أوساط قوى الثامن من آذار على أن المواقف من الأحداث السورية قد تكون أخطر، وتوضح أنه في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة الحديث عن القيادة السورية تفاوض الجماعات الإرهابية، رغم معرفتها بالخطر الوجودي على الكيان اللبناني الّذي يتمثل بأزمة النازحين، وان معالجته لا يمكن أن تتم من دون المرور بالبوابة السورية الرسمية، إلا إذا كان هناك من لا يزال يراهن على إسقاط النظام هناك، بالإضافة إلى ضرورة التنسيق الأمني والعسكري، الذي يساعد في مواجهة الجماعات المتربصة بالأمن الداخلي، ناهيك عن أهمية سوريا بالنسبة إلى الإقتصاد اللبناني.
في المحصلة، لن تكون الحكومة اللبنانية، كما كل القضايا، قادرة على أخذ موقف موحد من هذا الملف، وسيبقى مادة سجالية، تظهر وتختفي، من وقت إلى آخر.