نعتقد أنّ استهداف قادة من المقاومة الوطنية اللبنانية «حزب الله» في ريف القنيطرة يمكن أن يُقرأ بعيداً عن الانفعالات وبعيداً عمّا ذهب الكثيرون في قراءاتهم له، فهو في تقديرنا لا يمكن أن يأتي في مستوى سياق الاشتباك العسكري مع العدو، كما أنّه لا يمكن أن يوضع في سياق الاستهدافات التي توضع في سياقات الإشغال السياسي أو حتى في سياق إعادة إنتاج أو ترتيب مواقف وخرائط سياسية إسرائيلية داخلية.
نعلم جيّداً أن الاشتباك القائم الآن هو اشتباك مركب، ترسم ملامحه قواعد تكاد تكون واضحة، حيث يأتي في مستويات متعدّدة، أهمها: الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي، فالعدو الصهيوني يدرك إلى حدّ بعيد أنّه لا يمكنه أن يتجاوز هذه القواعد، وهو في تقديرنا أنّه لم يتجاوزها، اللّهم حين ندرك جيداً هذه القواعد، ونفهمها، باعتبار أنّ هناك أطرافاً متعددة تخوض هذا الاشتباك، وهي تتوازع الأدوار في ما بينها. ففي المستوى العسكري تتولى أدوات الداخل إدارة هذا الاشتباك، وهذا حاصل على مستوى الجغرافيا السورية أكثر منه على مستوى الجغرافيا اللبنانية، في حين أنّ العدو الصهيوني يدير اشتباكاً أمنياً، وهو لم يتخط هذه القاعدة حتى اللحظة، فجميع الأهداف التي ذهب إليها لا يمكن أن تكون إلا في سياق هذا الفهم وهذا التوزّع للأدوار، هذا لا يلغي أنّنا نحتاج إلى قدرة متقدمة وطاقة إضافية لفهم الأهداف التي ذهب إليها، وفهمها على أنّها أهداف أمنية وليست أهدافاً عسكرية، ولو كانت في بعض عناوينها الرئيسية كذلك!!.
لم تعد الجغرافيا مهمة للعدو كي يدير اشتباكه الأمني، وهو في تقديرنا أيضاً لم يكن بحاجة في ظل هذا الاشتباك للعودة إلى قرار سياسي، أو الارتهان إلى مرجعية سياسية معينة، بمقدار ما يدار هذا الاشتباك بعيداً عن تجاذبات سياسية داخلية، كون أنّ قواعد الاشتباك ذاتها على هذا المستوى فرزت جملة أهداف تتعلق بمستوى أمني أيضاً، وخريطة أمنية واضحة، ربما لها علاقة عضوية وأساسية مع مستوى عسكري وخريطة عسكرية، لكنها تبقى صافية واضحة في عنوانها الأمني الرئيسي.
من هنا يمكننا القول أن استهداف قادة من «حزب الله» في ريف القنيطرة لم يتجاوز المعنى الذي قدّمنا له آنفاً، باعتبار أنّ ما قام به العدو من خلال ذراعه الاستخباراتية لم يكن بعيداً عن هدف أمني بعينه، وصحيح أنّ هذا الهدف له علاقة بعناوين عسكرية لكنّه في أساسه هو هدف أمني صرف، وبالتالي لا يمكن أن يتصدى له غير الذراع الأمنية في حالة هذا الاشتباك المركب.
كما أنّ ما حصل على هذا المستوى لا يمكن أن يجيء ضمن السياق العام للعناوين التي تتعلق بمرحلة العدوان على سورية، بمقدار ما كان الاستهداف يجيء في سياق المواجهة الكلية الحاصلة على مستوى الإقليم، هكذا بالضبط يجب أن يُفهم هذا الاستهداف، خشية أن يفهمه أو يضعه البعض في سياق مرحلة العدوان على سورية، فنرد عليه على أنّه كذلك، وبالتالي نكون قد وقعنا في مطب إخراجه من مكانه الصحيح، لجهة فهم أبعاده الأمنية الحقيقية، والتعامل معها على أساس حقيقة فهم العدو لها، وليس على أساس فهمنا الذي يمكن أن يجيء قاصراً!.
ومن هنا يمكننا القول أيضاً، إن هذا الاستهداف لم يكن من أجل توجيه رسائل باتجاهات متعددة أو مستويات متنوعة، أبداً، نحن نعتقد أنّ هذا الاستهداف كان يمكن أن يحصل لو كانت شروط اللحظة السياسية والعسكرية والأمنية الحالية موجودة أو غير موجودة، كما أنّنا نجزم في هذا السياق أنّ هذا الاستهداف لم يكن من أجل الاستهداف ذاته، بمقدار ما كان استهدافاً في سياق قائمة أهداف تبحث عنها مؤسسة مختصة داخل كيان العدو، وإذا ما توافرت شروط الاستهداف فإنها لا تتواني أو تتهاون في التقاط واستغلال هذه الشروط، والتي هي في جوهرها شروط موضوعية تتعلق بنجاح عملية الاستهداف ذاتها.
أمور كثيرة يجب أن تستوضح من وراء هذا الاستهداف، رجوعاً إلى ما تمتلكه المؤسسة الأمنية في «حزب الله»، ووضع خريطة فهم حقيقي لطبيعة هذا الاستهداف، من جهة المكان والزمان، ومن جهة خريطة المرور التي سلكها القادة الشباب الشهداء، إذ إنّنا نعتقد أنّه سوف تظهر معطيات ذات دلالة كبيرة ومهمة إذا ما فهمت هذه الخريطة، وطبيعتها وتوقيتها، لأنّها سوف تفيد كثيراً في فهم وكشف طبيعة هذا الاستهداف.
إنّ هذا الاستهداف الذي اعتبرناه استهدافاً أمنيّاً قائماً ومبنيّاً على مستوى الاشتباك الأمني، فإنّ جغرافيا اشتباك تحدّد إطاره الميداني، ولا نعتقد أنّ هناك خروجاً على الجغرافيا التي حكمت قواعد هذا الاشتباك منذ أكثر من عامين، لهذا فإنّ فهمنا لطبيعة الردّ لا يمكن أن تكون بعيدة، ويجب ألا تكون بعيدة، عن هذا المعنى لفهم هذا الاستهداف، باعتباره استهدافاً أمنياً صرفاً، له علاقة بعناوين عسكرية وغير عسكرية.
بما أنّ الاستهداف جاء كذلك، ليس محصوراً بعنوان العدوان الحالي على سورية فقط، وليس مشروطاً برسائل معينة أو لحظة صاعدة خارج السياق العام للمواجهة، وبما أنّه لم يكن مقطوعاً عن جملة استهدافات ماضية لها ذات الطبيعة الأمنية، وهي في أغلبها استهدافات تتعلق بقائمة أهداف منتخبة من قبل العدو، فإننا نعتقد أنّ الردّ يجب أن يكون في ذات المستوى وذات العنوان الأمني، وليس ردّاً عسكريّاً تتخيّله بعض الأمزجة وتتطلع إليه بعض الأنفس!.
وأخيراً فإنّنا نقدّر على أنّ المجال الحيويّ الذي حدّدناه لجهة الردّ الذي يجب أن يكون، بعيداً عن كونه ردّاً تقنيّاً يضع اعتبارات جديدة لطبيعة الاستهدافات المتكررة من قبل كيان العدو، ويعيد لجم شهيّته التي نجحنا في لجمها عسكريّاً، وأشعرناه بفداحة المقابل الذي يمكن أن يكون، فإنّنا نعتقد أنّ حالة معنوية تتعلق بالوعي والعقل الجمعي لدى جمهور حلف المقاومة أضحى بحاجة ماسة لمثل هذا الردّ الذي لا يتحمل مسؤوليته «حزب الله» وحيداً!