بدأ مسيرته الجهادية الطويلة بعمر 12 عامًا، أي في العام 1984، وكانت منطقة الجنوب المحتل قبل العام 2000 وتحديدًا بقعة إقليم التفاح خير شاهدٍ على صولات هذا المقدام وجولاته، فهو الذي حمى هذه الأرض بعرقه وتضحياته، لتحميه بدورها مرّتين من محاولات اغتيالٍ غادرة عبر الطائرات والعبوات، حاول تنفيذها العدو الاسرائيلي الذي يعلم قيمة بطل جنوبي اسمه محمد عيسى "أبو عيسى الاقليم".
انتسب أبو عيسى لـ"حزب الله" منذ انطلاقته، عاشقًا للمقاومة وواهبًا لها نفسه، فتدرّج في صفوفها من مقاتل إلى مسؤول مجموعة، إلى مسؤول عسكري في اقليم التفاح عام 2003، ليكون في حرب تموز على رأس المواجهة، حيث قاد معركة المقاومة في قطاع "الاقليم"، فبرز في أداء مهمّته لا سيما بقيادة الرمايات الصاروخية المتوسطة خلال الحرب والرمايات الصاروخية الثقيلة في أيام الحرب الأخيرة، حيث يتذكر أبناء تلك المنطقة بشكل جيّد صاروخ "زلزال" الذي انطلق بإشارة من أبو عيسى من خراج بلدة عربصاليم الجنوبية.
انتهت حرب تموز وكان أبو عيسى أحد صانعي نصرها، فنال تنويهاتٍ عديدة من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله. إلا أنّ هذه الحرب لم تكن آخر مهمّاته، فاستمرّ بمنصبه حتى العام 2013، ليتمّ تعيينه وقتها قائدًا عسكريًا لأحد المحاور المتقدمة مع العدو الاسرائيلي، ولكن قيادة المقاومة التي تعلم قيمة هذا الرجل اختارته عام 2014 قائدًا لقوات الدفاع عن منطقة الغوطة السورية حيث يقع مقام السيدة زينب، فأبدع الرجل بمهمته الجديدة ومقام السيدة زينب يشهد على ذلك. وأيضًا، ولأنّ القادة الكبار يتركون بصماتهم في كلّ ساحات المقاومة، شارك أبو عيسى الاقليم في تكوين قوة عسكرية عراقية قادرة على مواجهة الارهاب التكفيري في العراق، بحيث أرسله "حزب الله" كمستشار عسكري إلى الساحة العراقية لمواجهة الزحف "الداعشي" الارهابي.
أما بعد تحديد اولويات المقاومة وتعاظم التهديدات القادمة من الجهة الجنوبية لسوريا أي منطقة الجولان السوري المحتل والقنيطرة، وازدياد خطر الجماعات التكفيرية في تلك المنطقة والتنسيق الاسرائيلي مع تلك الجماعات، قرّرت قيادة المقاومة منذ 4 أشهر تعيين أبو عيسى قائدًا ميدانيًا في منطقة القنيطرة ودرعا، لمواجهة تلك الاخطار وبناء تنظيم عسكري مقاوم قد نشهد إنجازاته قريبًا جدًا.
ظهر يوم الأحد الماضي، انتهت رحلة أبو عيسى الجهادية، فكان له ما أراد وتمنى، فهناك في الجنوب يقولون أن من يقضي سنين عمره بالجهاد لا بدّ أن يُنهي مسيرته بالشهادة. اغتيل أبو عيسى برفقة 5 مجاهدين ولواء إيراني واحد وليس كما قيل 6 إيرانيين، باستهداف صاروخي اسرائيلي للموكب الذي كانوا يستقلّونه في القنيطرة، خلال جولة استطلاعية كانوا يقومون بها.
رحل أبو عيسى ولكنّ أعماله باقية، وتحضيراته وتجهيزاته لأيّ حرب مقبلة مع إسرائيل هي من ستتحدّث عنه، وستكون الثأر لاغتياله. رحل أبو عيسى ولكنّ ابتسامته الدائمة حاضرة في كلّ ساحات المقاومة من عربصاليم الأقرب إلى قلبه وصولا للعراق مرورًا بسوريا.
تقرير محمد علوش