بداية أرجو المعذرة من خبراء التجميل وشفط الدهون، والنفخ لإبراز مفاتن قد يكون الدهر غالباً أكل عليها وشرب، ولكني مضطر هنا لاستخدام المصطلح لتوضيح وشرح واقع سياسي لا بد من مقاربته بهذه الطريقة الساخرة لأن شر البلية ما يضحك أحياناً.
قبل أربع سنوات، ومع بدء الأحداث في سورية وانطلاق التظاهرات عملت الدولة السورية على إطلاق لقاء تشاوري يضم أطرافاً معارضة للبحث في الحلول والمطالب وإيجاد المخارج ولكن الرفض كان السمة العامة لأغلبية المعارضين الذين قالوا آنذاك وبعد لقاءات مع العديد منهم (لننتظر ونرى...) وكانت رهاناتهم تقوم على وعود خارجية من أن قراراً دولياً إقليمياً قد اتخذ لإسقاط الدولة السورية، وما هي إلا شهور عديدة حتى تصبحوا أنتم الحكام الجدد في دمشق، وننتهي من هذه القضية ولكن عليكم الصبر والتحمل وجر الناس وتحريضهم على دولتهم وجيشهم والإكثار من استخدام كلمات مثل: (الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان).
لم تفلح هذه الكلمات التي كانت عنوان ما سمي زوراً «الربيع العربي» ولا السيليكون السياسي الذي استخدمته المنصات الإعلامية لهم في إخفاء الوجه البشع لحقيقة الفكر الإخونجي الوهابي الذي يقف خلف هذا الحراك، ذلك أن ثورة يوجهها يوسف القرضاوي من وكره في قطر هي قطعاً ثورة مشبوهة مهما حاولوا تجميل وجهها بالسيليكون، كما أن حراكاً يقوده الإخوان المسلمون من وكرهم في تركيا هو قطعاً حراك لن يقود إلى ديمقراطية وحرية، إنما سيقود إلى ما آلت إليه الأوضاع لدى معلمهم هناك رجب طيب أردوغان – أي المزيد من قمع الحريات، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي، وسجن المعارضين، والكذب والنفاق والدجل بشأن فلسطين والقدس- وهو ما ظهر وبان سريعاً من خلال زيارة كمال اللبواني إلى تل أبيب ممثلاً جماعة الإخوان المسلمين المجرمة العميلة، ولقائه بهم بعد ذلك في مكة المكرمة لينقل لهم تحيات وتقدير الموساد الإسرائيلي على إجرامهم بحق الشعب السوري، ويبارك لهم بالحج الذي اعتدنا عليهم يستخدمونه أداة للخداع والدجل على الناس والبسطاء وجزءاً من عملية إخفاء قباحتهم وقبحهم وبشاعة وجوههم فالحج هنا ليس إلا سيليكوناً سياسياً للتجميل لدى هؤلاء.
السيليكون السياسي الذي ضخ في هؤلاء المعارضين والمتمثل في عقد المؤتمرات الدولية واللقاءات الإعلامية وفتح الأبواب أمامهم في كل العالم جعلهم يعتقدون في بعض الأحيان أنهم: نيلسون مانديلا، أو شارل ديغول، أو تشرشل، أو ستالين، أو عبد الناصر، وفي أحيان أخرى: لافروف أو كيري فتسمعهم على المحطات الإعلامية يهددون روسيا وإيران وحزب الله ويتوعدون السوريين بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يوافقوا على ثورتهم الهمجية الوهابية العثمانية الصهيونية وعلى قادتها العظام وممارساتها البشعة، وعلى التعاون مع العدو الصهيوني وتسويغ ذلك وعلى اعتبار السعودية وقطر حلفاء إستراتيجيين يشد الظهر بهم، وتركيا العثمانية وصية على السوريين وفرنسا (هولاند وفابيوس) ملهماً لقيم الديمقراطية الجديدة، التي رأيناها في ليبيا فأنتجت دماراً وخراباً، وإرهاباً يتجول في باريس والمدن الفرنسية.
مشكلة هؤلاء ليست فيهم فقط، إنما المشكلة فقط في بعض معلميهم إذ كان أمير قطر الديمقراطي جداً (حمد بن خليفة) ووزير خارجيته حمد بن جاسم نتيجة السيليكون السياسي المغشوش يطلقون المواعيد لسقوط الدولة السورية، فتارة في عيد الفطر السعيد، وتارة في عيد الأضحى، ويكلفون بعض مذيعي الجزيرة المرتزقة لديهم لإطلاق هذا الجزء من الحرب النفسية، لا بل إن أمير قطر السابق سافر إلى الصين لرشوة قيادتها من أجل تغيير موقفها، معتقداً أن قادة الصين مثل قادة فرنسا يمكن شراء ذممهم، أو بعض الزعامات العربية أو المعارضة السورية ولم يقتصر الأمر على القطريين، فسعود الفيصل وبندر بن سلطان ذهبا في مهمات عديدة إلى موسكو لشراء الذمم أيضاً دون أن يقرأ هؤلاء ماذا يجري في العالم من تحول، وطبيعة الصراعات الدولية، ودور روسيا- والصين في الخريطة الدولية الجديد.
إضافة لذلك فإن تصريحات القادة الغربيين كانت تجعل هؤلاء المعارضين مجرد أدوات لتدمير بلدهم، دون أن يدركوا أنهم ليسوا إلا جسراً لضرب شعبهم، وجيشهم، ودولتهم، وأن لعبة الأمم لا تقيم وزناً لكيانات سياسية هزيلة، ولا لمعارضين يتلقون الرواتب من مشغليهم، ولا تحترم أساساً من لا يحب وطنه، وشعبه، ومخلصاً للقضية التي يعمل من أجلها.
الآن، ومع جردة الحساب التي لا بد منها ليس للانتقام من أحد، وإنما إزالة هذا السيليكون السياسي الذي ضخ في هؤلاء، وغيرهم، لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق الأساسية:
1- لم تغلق الدولة السورية باباً للحوار منذ أربع سنوات، ولم ترفض مبادرة سياسية دولية، أو إقليمية، انطلاقاً من مبدأين أساسيين:
أ- احترام السيادة الوطنية.
ب- احترام الإدارة الشعبية.
2- إن التعويل على الخارج ليس إلا ارتهاناً له، وتحويل القضية المفترض أنها (عادلة) كما يقولون، إلى بازار تبتز فيها سورية دولة وشعباً لحساب أفراد اعتقدوا بسبب السيليكون، أن لهم أحجاماً كبيرة، على حين إن المطلوب التعويل على الإرادة الشعبية لنرى أحجام هؤلاء وأوزانهم الحقيقية.
3- الحديث في بيان القاهرة مثلاً في أكثر من مكان عما سموه (ضمانات دولية وإقليمية) هو محاولة لفرض نظام وصاية على النمط (اللبناني أو العراقي)، وهذا الأمر مرفوض بالمطلق لدى أغلبية السوريين، ذلك أن دم الشهداء لم يسقط على هذه الأرض الطاهرة إلا من أجل سيادة سورية، واستقلالها وكرامتها.
4- إن التغير الظاهري الذي قد يكون البعض لمسه في بيان القاهرة، ليس لأن المجتمعين تغيروا، بل لأن معلمهم الأميركي قد بدأ يغير سياسته، ومن ثم ما على المتابع إلا أن يبدأ بالتكويع، وتغيير الأشخاص، ولأن المشهد مسرحي بامتياز فقد كلف ممثل سوري معروف الدور الجديد.
الحقيقة الأساسية التي يجب أن يدركها الجميع هو أن أخفاق الخيار العسكري التدميري، هو الذي أدى إلى ما نراه على المسرح، وليس لاقتناعهم بجدوى الحل السياسي الذي يتم الحديث عنه منذ أربع سنوات، إضافة إلى أن صمود الشعب السوري، وجيشه، وقيادته، ودعم حلفائه هو من أجبر معلمي هؤلاء على بدء الاستدارة، الأمر الذي يعني فيما يعنيه تغيير المصطلحات، والكلمات، والوجوه، والحديث عن الأحجام الحقيقية، وليس الوهمية التي نفخت حتى بدت وجوه هؤلاء مشوهة وظهرت على حقيقتها.
إن التاريخ لا قيمة له ما لم يأخذ الإنسان منه دروساً مستفادة، وأتمنى أن يكون بعض المعارضين قد فهموا الدرس، وأن يدركوا أن أوراق الاعتماد تقدم للشعب السوري، وليس للقاهرة أو الرياض أو الدوحة أو واشنطن، وأن السيليكون السياسي الذي نفخ به هؤلاء تبين أنه مغشوش، ولا يصلح إلا لتجميل مؤقت سقط مع صمود سورية، وما قاله الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني قد يصلح لتوصيف الحالة باختصار: «الأموال التي صرفت على ثوار سورية تكفي لتعليم البقر: البلاغة والرقص. إنما غير كافية لتعليم الحمير: معنى الوطن...).