ساعة ونصف الساعة من التوتر والنيران عاشتها المناطق الجنوبية ومزارع شبعا المحتلة، بعد العملية التي نفذها "حزب الله" مستهدفاً قافلة عربات عسكرية اسرائيلية. ساعة ونصف أعطت الكثير من الأجوبة على أسئلة طرحها العديد من اللبنانيين والاسرائيليين وحتى المسؤولين الغربيين. ساعة ونصف كانت غير كافية لحسم الأمور ولكنها فعلت فعلها.
صحيحٌ أنّ ردّ الحزب أتى في معظمه متوقعاً (لجهة عدم جرّ لبنان إلى حرب شاملة وعدم الرد في أمكنة مدنية...)، ولكنّ التوقيت فاجأ الجميع، إضافة إلى المعلومات التي نجح الحزب في تجميعها. فقد أثبت ردّ "حزب الله" أيضاً أنه إذا كان يعاني من بعض الخروقات في صفوفه، ما سمح للاسرائيلي بالحصول على معلومات حيوية وسرية، فإنه بدوره قادر على الحصول أيضاً على معلومات بالغة الدقة عن الاسرائيليين.
وهل من السهل أن يعرف الحزب تفاصيل سير القافلة العسكرية الاسرائيلية، ومن فيها (أفادت القناة الاسرائيلية الثانية عن مقتل قائد سرية في لواء "غفعاتي" وهو أحد ألوية النخبة، ويدعى الرائد يوحاي كلينغر) وسط استنفار تام للجيش الاسرائيلي واتخاذه تدابير فائقة السرية حول كل ما يتعلق بشؤونه العسكرية؟
واللافت أنّ الحزب لم يضطر حتى إلى دخول الاراضي المحتلة لتنفيذ عملياته، فأطلق صواريخ -ذكر الاسرائيليون أنها من طراز "كورنيت"(1)- من مدى يتراوح بعده بين أربعة وخمسة كيلومترات عن موقع القافلة المستهدفة.
لا شكّ أنّ هذا الرد سيعطي دفعاً معنوياً كبيراً للحزب قبل إطلالة أمينه العام السيد حسن نصرالله يوم الجمعة حيث سيتحدث عن عملية القنيطرة، وبالطبع عن الرد عليها، وسيكون أكثر حزماً وجدية لدى الاسرائيليين حين يهددهم بأنّ أمنهم بات مخروقاً ولم يعد باستطاعتهم البقاء خارج المعادلات العسكرية في أيّ حرب مقبلة.
ولم يكتف الحزب بالعملية، بل ردّ على القذائف الاسرائيلية بإطلاقه قذائف بدوره، ولو أنّه لم يقتل أيّ عنصر من قوات "اليونيفيل" على غرار ما فعلت إسرائيل، حيث ذهب ضحية قذائفها عنصر إسباني من عداد القوات الدولية (العريف فرانشيسكو خافيير صوريا توليدو، ويبلغ من العمر 36 عاماً).
في المقابل، استفاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانيناهو من هذه العملية إلى أقصى الحدود. وعلى الرغم من أنّ حديثه عن "وجوب عدم تجربة اسرائيل، وان تجربة غزة خير دليل على ذلك"، لم يقنع احداً بأن قوة الردع الاسرائيلية مثالية ومستهابة، فقد نجح في تجييش الاسرائيليين للوقوف خلفه بطرحه معادلة أمنهم وسلامتهم. وراهن نتانياهو، ولا يزال، على أنّ الامن هو معبره الاوحد الى السلطة، وكان المستفيد الاكبر من عملية القنيطرة، كما عرف كيف يستفيد حالياً من ردّ "حزب الله" لاظهار نفسه على أنّه المنقذ الوحيد للاسرائيليين من المصير المشؤوم الذي ينتظرهم.
هذه المعادلة أظهرت بما لا يقبل الشك أنّ الحزب جاهزٌ للتعامل مع إسرائيل رغم انشغالاته الاخرى، وأنه يملك من الاسلحة والمعلومات والعناصر ما يكفي لإقلاق اسرائيل وابقاء توازن الرعب حاضراً.
أما إسرائيل في المقابل، فعليها أن تواصل توترها وخوفها، فردّ "حزب الله" قد تم ولكن، ماذا عن ردّ ايران؟ هل ستكتفي طهران برد الحزب أم أنها تحتفظ بحقها بالرد، علماً أنّ الردّ الايراني في حال حصوله، لن يكون على مستوى ردّ "حزب الله" ولا بالطريقة نفسها، وقد يكون غير عسكري عبر زيادة النشاط الايراني الاستراتيجي والعسكري في سوريا وتحديداً في الجولان إلى حدّ يجعل من تلك المنطقة الحدودية كابوساً آخر لاسرائيل أكثر إيلاماً من أيّ ردّ آخر.
لا تزال كرة النار في الملعب الاسرائيلي، وهي ستبقى فيه لفترة، علماً أنّ عامل الوقت لا يسير لصالح إسرائيل التي تتعرّض لضغوط كبيرة، وعلى نتانياهو أن يجد الطريقة الافضل للتعامل معها وكسب ثقة الاسرائيليين من جديد.
(1) صاروخ كورنيت هو روسي الصنع مضاد للدروع وموجّه عبر اللايزر. استخدمه "حزب الله" خلال مواجهات تموز عام 2006، وألحق خسائر فادحة بالدبابات الاسرائيلية من طراز "ميركافا" التي يفخر الاسرائيليون بصناعتها. وتفوق سرعة الصاروخ نحو هدفه سرعة الصوت، ويتراوح مداه ما بين 100 متر و5500 متر أو (3500 متر ليلا) ومعروف بقدرته على اختراق صفائح الحماية.