أكّد العلامة السيد علي فضل الله أنّ ردّ المقاومة الإسلاميّة على جريمة القنيطرة جاء سريعاً، بعمليّة نوعيّة جريئة، بعثت من خلالها رسالة إلى العدوّ الصّهيونيّ بأنّ أيّ اعتداء يقوم به، لن يكون سهلاً، وأنَّه قد يرسم شيئاً، ويخطّط له، وقد يُقدم على مغامرات، ولكنَّ النّتائج ستكون لحساب المقاومة، وأنَّ انشغالها بمواقع أخرى، كما كان يراهن العدوّ، لا يعني غفلتها عنه، وجهوزيّتها التامّة في مواجهته.
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، أشار السيد فضل الله إلى أنّ المقاومة أعادت في عمليّة مزارع شبعا التّوازن إلى ساحة المواجهة مع العدو، وأجهضت محاولته كسر هذا التوازن، وتعديل قواعد الاشتباك، وثبّتت المعادلة الَّتي تؤكّد أنّ أيّ اعتداء تتعرَّض له، سيلاقي الردّ. ولفت إلى أنّ أهميّة هذه العمليّة أنها حصلت في الموقع الّذي أرادته المقاومة، وليس في الموقع الذي كان يريده العدوّ أو يحتسبه، وأنّها استطاعت النّيل منه خلال جهوزيّته لا خلال استرخائه، ما أكّد الشّجاعة الاستثنائية لأبطال المقاومة. ولاحظ كذلك أنّها لم تتمّ بعفويّة، أو عشوائيّة، أو بتسرّع اقتضته الحاجة إلى ردٍّ لإعادة الاعتبار، بل أتت بناءً على تخطيط دقيق متقن ومدروس، حمل أعلى درجات الحكمة، وراعت فيه مصالح شعبها، عندما اختارت الزّمان والمكان المناسبين، اللّذين يكبّلان العدوّ، ويمنعانه من امتلاك حريّة الحركة في الردّ.
ورأى السيد فضل الله أنه من غير الإنصاف أن تنطلق أصوات تتحدّث عن أنَّ ما تقوم به المقاومة يورّط لبنان مجدّداً في حرب غير متكافئة، كما تقول، وأن تعيد هذه الأصوات التّذكير بما جرى العام 2006، حين لحق الدّمار بلبنان واللبنانيين، "وكأنَّ المقاومة هي الَّتي اعتدت، وهي الّتي تحتلّ الأرض، وهي الَّتي تقاتل وتقتل خارج ساحة المعركة، وكأنَّ المطلوب منها أن تبقى مكتوفة اليدين أمام ما تتعرَّض له"، وقال: "لقد نسي هؤلاء أنَّ إسرائيل هي الَّتي بدأت هذا العدوان، عندما أقدمت على اغتيال ثلّة من المجاهدين، ولم تكن هذه العمليّة إلا رداً طبيعياً على ما قام به هذا العدوّ، الّذي لم تتوقّف طائراته عن اختراق سيادة لبنان، فضلاً عن مجازره في الماضي القريب والبعيد، واللائحة تطول وتطول". وأضاف: "لقد كنّا نأمل من كلّ هذه الأصوات، أن تشعر باعتزاز بوجود شباب لبنانيّ يعترف العدوّ بقدرته، ويقدّم التّضحيات من أجل وطنه وأمته، وهو على استعداد للمواجهة إلى النّهاية بقدرة وحكمة، حتى لا يُستباح هذا الوطن أمام العدو الّذي لا يبالي بأعراف ولا بمواثيق دوليّة".
وفيما حيّا السيد فضل الله أبطال المقاومة الإسلاميّة على هذا الإنجاز البطوليّ، الّذي ساهم في تعزيز روح العزة والكرامة في قلوب اللبنانيين، ورسّخ حقيقة أنَّ قوّة لبنان في قوّته، لا في ضعفه، دعا جميع اللبنانيين في هذا البلد إلى أن يعوا حقيقة هذا العدو الّذي لا يفهم إلا لغة القوّة، ولن يرتدع عن عدوانه، "ولن يعيد الأرض المحتلّة لنا، إلا التلاحم بين سواعد الجيش اللبنانيّ والمقاومة، وصبر الشّعب وصموده".
من جهة ثانية، اعتبر السيد فضل الله أنّ الجيش اللبناني يؤكد يومًا بعد يوم قدرته وجهوزيّته واستعداده لبذل أغلى التضحيات من ضباطه وجنوده، رغم عدم توفّر الإمكانات الّتي يحتاجها. وإذ بارك للجيش وقفته وتضحياته، دعا لتأمين متطلّبات الدّفاع والمواجهة له، واستعجال تقديم الهبات التي وُعد بها، فلا يُعقل أن يقف الجيش في خطّ المواجهة، ويتصدّى للإرهاب بإمكانات متواضعة، لا تلبّي احتياجات المعركة. وأشار إلى أنَّ الجيش اللبناني لا تعوزه الإرادة والصَّلابة والاستعداد للتّضحية، بل تنقصه الإمكانات والأسلحة الحديثة، وقال: "لا بدَّ لنا أمام كلّ هذه التحديات، من العمل لتثبيت الأرض في الدّاخل، والإسراع في معالجة كلّ الملفّات العالقة السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، وأزمة الفساد المستشري داخل أجهزة الدولة وخارجها، وبثّ الحرارة في الحوار الجاري، أو الّذي ينبغي أن يجري، فلا يمكن مواجهة التحدّيات بالانقسام الداخليّ والضعف".