حملت إطلالة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بمناسبة الاحتفال التكريمي لشهداء القنيطرة أبعادًا عسكرية وسياسية إقليمية بامتياز، حيث أعلن بصراحة أنّ قرار الحرب والسلم في المنطقة لم يعد بيد إسرائيل وحدها، بل أصبح لها شريك اقليمي له الكلمة الفصل في كل تطور من خلال مبادرته إلى رسم قواعد اشتباك جديدة قائمة على سياسة العين بالعين والسن بالسن بعيدًا عن الحسابات السياسية المتعلقة بالنتائج المباشرة أو غير المباشرة، بل انطلاقا من جهوزية عسكرية وأمنية قائمة على توازن الرعب، خصوصاً أنّ الحزب يرى أنّ ما حققه في اللعبة الاقليمية تجاوز حدود لبنان ووصل الى حدود المنطقة العربية، وذلك عبر مشاركته في المواجهة الاقليمية المباشرة والحرب الباردة التي تعمّ العالم العربي إضافة إلى مناطق ساخنة اخرى.
في البعد السياسي للموقف، يمكن القول أنّ السيد نصرالله أضاف إلى لائحة خصومه السياسيين والعسكريين "جبهة النصرة" التي هي بحسب قراءته فرعٌ لتنظيم "القاعدة" في سوريا، خصوصًا بعد أن تحولت إلى خط دفاع إسرائيلي أول انطلاقا من الجولان المحتل واستطرادًا من داخل الأراضي السورية في تكرار لمشهد الحزام الأمني اللبناني طيلة ثمانينيات القرن الماضي امتدادًا حتى معركة التحرير في العام 2000، كما أفهم خصوم الداخل أنه على استعداد كامل للسير حتى النهاية في مواقفه من الصراع في سوريا بمعزل عن الحوار المخصص لادارة الازمة في الداخل وليس على مستوى الاقليم أو المنطقة، وبالتالي فإنه حتم اتصال جبهة الجنوب اللبناني بجبهة الجولان السوري، أي أنّه أعلن أنّ منطقة عمليات "حزب الله" أصبحت من البحر حتى الجولان.
من جهة ثانية، تخطى السيد نصرالله الساحة اللبنانية ليصل إلى حدود اللاعب الاقليمي العلني من دون العودة إلى أيّ مرجعية، وحصر تحرّكه عمومًا بمصلحة المحور الايراني الروسي السوري الاستراتيجي وليس بحسابات داخلية أو حتى لبنانية إنما في إطار الصراع الاكبر، طالما أنّ الحزب تحول إلى ذراع قوية وناشطة تتحكم بقوة بلعبة الصراع السني-الشيعي في المنطقة كما تتحكم بالصراع مع اسرائيل في ظل مفاوضات ناشطة بين طهران وواشنطن على خلفية الملف النووي ومتفرعاته، بحيث تعمّد التطرق الى هذا الملف من بوابة فصله عن الحرب الامنية المستعرة بين الحزب من جهة واسرائيل من جهة ثانية.
في الموازاة، وجّه السيد نصرالله رسالة إلى خصومه الداخليين مفادها أنّ أيّ حديث عن صناعة الحرب والسلم في لبنان لا يقع في مكانه الصحيح بعد أن تحول لبنان إلى ساحة صراع مفتوحة على الاحتمالات كافة وإلى صندوق بريد اقليمي لتصفية الحسابات، وبالتالي فإنّ كلّ ما من شأنه التشويش على عمل المقاومة مرفوض من أساسه على اعتبار أنّ "حزب الله" لن يقبل بخسارة سياسية بعد التضحيات العسكرية التي قدمها لاعادة التوازن إلى اللعبة الاقليمية.
أما في البعد العسكري، فقد حاول الأمين العام لـ"حزب الله" التأكيد على حجم القوة العسكرية والأمنية والمعلوماتية التي بات الحزب يمتلكها، في رسالة واضحة لسكان المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الحدود مع لبنان للضغط على قياداتها لعدم الدخول في حرب يستعد لها الحزب بكامل قوته، من خلال التسلح والتدريب وفق متطلبات المرحلة التي يفرضها الصراع المتأجج، والذي بات حربا بكل ما للكلمة من معاني في ظل اشتعال الجبهات عموما، بما يعني أنّ اسرائيل لن تكون بعيدة ولا بمعزل عن النيران التي أشعلتها بيديها لاهداف تتعدى "حزب الله" لتصل إلى حدود المشاركة في فرض الخريطة الجيوسياسية المعدة للمنطقة منذ عقود والجاري تحقيقها على قدم وساق.