يَدخُل التفجير الإرهابي الذي إستهدف باصاً تابعاً لحملة "عُشّاق الحُسين" في منطقة الكلاسة في دمشق(1)، في إطار سلسلة الهجمات المَفتوحة التي تستهدف الشيعة في العالم أجمع(2). وهو يحمل أكثر من رسالة في أكثر من إتجاه.

أوّلاً: إنّ النيّة في إستهداف المَدنيّين الشيعة متى سنَحت الفُرصة موجودة، في سوريا وخارجها، تحت حُجج مختلفة، بعضها ديني عقائدي بخلفيّات تكفيريّة، وبعضها الآخر تحت ذريعة التدخّل عسكرياً في أكثر من حرب ومعركة من سوريا إلى اليمن مروراً بالعراق، إلخ.

ثانياً: إنّ القدرة على إلحاق الأذى بهؤلاء المَدنيّين مُتوفّرة أيضاً، حيث يكفي غسل دماغ أحد الأشخاص لتنفيذ عمليّة إنتحاريّة أو توفير عبوة ناسفة صغيرة يحملها أيّ شخص في حقيبة يد شخصيّة ويتركها تحت أيّ مقعد أو يلصقها في جسم أيّ مركبة مُستهدفة، لإيقاع العشرات بين قتيل وجريح.

ثالثاً: إنّ مُعارضي النظام يُحاولون إفشال كل محاولاته لإعادة الإستقرار إلى البلاد، حتى إلى المناطق الخاضعة لسيطرته العسكريّة، وذلك من خلال إطلاق القذائف والصواريخ حيناً، وتفجير العبوات الناسفة حيناً آخر، بهدف إخافة المدنيّين وإبعاد السيّاح وضرب الإقتصاد، إلخ.

رابعاً: مُعارضو النظام مُصرّون على إلحاق الأذى بكل من يدعم القيادة السوريّة، وبمؤيّديه ومناصريه المباشرين وغير المباشرين، وذلك بأيّ وسيلة متاحة، ومن دون أي إعتبار أو رادع ديني أو أخلاقي.

خامساً: إنّ تفجير الباص اللبناني في سوريا يدخل في في إطار المعركة المفتوحة القائمة في الداخل السوري، بكل إرتداداتها على الداخل اللبناني، وهو يندرج في سياق العمليّات الإرهابيّة التي من الصعب جداً وقفها أو كشفها قبل وقوعها.

سادساً: إنّ الردّ على هذا النوع من العمليّات يأتي عادة بنتائج عكسيّة، فأيّ تفجير مُضاد ضد مناطق مُصنّفة "معارضة للنظام السوري"، أو أيّ هجوم عسكري ناجح ضدها، أو أيّ إعتقالات في صفوف المحسوبين بشكل أو بآخر عليها، لا يُمكن إلا أن يرفع عدد الساعين للإنتقام، وعدد المُستعديّن للقتال ولتنفيذ عمليّات إنتحاريّة.

في الختام، يُراهن الكثيرون على إنهاء هذا الوضع غير المُستقرّ في المُستقبل القريب عبر العمليّات العسكرية، لكن رهانهم لا يستند إلى وقائع ملموسة، بحسب أدلّة الماضي القريب. فمثلاً، النسبة الأكبر من الإعتداءات والتفجيرات الدمويّة التي وقعت في العراق في السنوات الماضية، تمّت عندما كانت حكومة نوري المالكي تفرض سيطرتها على كامل الأراضي العراقية، وليس بعد أن فقدت السلطات العراقية المركزيّة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد. فوتيرة هذا النوع من العمليّات ترتفع كلّما زاد اليأس في أوساط القوى والجهات المُتضرّرة من أي حُكم أو سُلطة، وطبعاً كلّما زاد مستوى القمع والإضطهاد والتفرّد بالسلطة الذي يُمارسه الخصوم. وبالتالي، يبدو أنّ العمليّات الإنتقامية ضُدّ كل مَن هو محسوب-بحق أو بدون حقّ، على الجهات الحزبيّة والمذهبيّة والسياسيّة التي تدعم النظام السوري، ستبقى قائمة كلّما سنحت الفرصة، تحت ستار الإنتقام من إرتكابات النظام وحلفائه، وذلك من دون تمييز بين عسكري مُتورّط ومدني بريء لا ينشد سوى الصلاة!

(1) أوقع الإعتداء 6 قتلى و23 جريحاً من أصل 52 شخصاً، إضافة إلى الإداريّين، كانوا على متن الباص، وذلك عند الإستعداد للإنتقال من مقام السيدة رقيّة إلى مقام السيدة زينب الذي يقع على بُعد نحو 10 كيلومترات جنوب العاصمة السوريّة.

(2) منها مثلاً: في 29 كانون الأوّل الماضي سقط 19 قتيلاً في تفجير إنتحاري إستهدف موكباً لزوّار شيعة في منطقة التاجي شمال بغداد. ومنذ أيّام قليلة فقط سقط نحو 60 قتيلاً وجُرح العشرات في تفجير إستهدف مسجداً شيعياً في بلدة "شيكاربور" جنوب باكستان التي يُشكّل الشيعة 20 % من إجمالي سكّانها. وقد تبنّت جماعة تُطلق على نفسها إسم "جند الله" المُنشقّة عن حركة "طالبان" مسؤوليّتها.