مع تجديد وزارة البيئة الترخيص الحصري لشركة هولسيم بحرق الأدوية المنتهية الصلاحية في أفرانها، يشكك نشطاء البيئة بصوابية هذه الخطوة بسبب غياب الرقابة على نوعية الأدوية التي تحرق، وخصوصاً أن الشركة لم تعالج بعد مشاكل الغبار والأتربة، فكيف الحال بالغازات السامة والرماد المنبعث من حرق الأدوية؟

بسام القنطار

تواجه الشركة اللبنانية للاسمنت الأبيض (التابعة لمجموعة هولسيم) اعتراضات شعبية من قبل أهالي بلدة شكا نتيجة العديد من المشاكل البيئية. في هذا الوقت، جدد وزير البيئة محمد المشنوق لمجموعة هولسيم رخصة بيئية للتخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستعمال في أفرانها. وجاء قرار الترخيص واضحاً لجهة تحديده ضمن نطاق منطقة شكا العقارية ــ محافظة لبنان الشمالي، الأمر الذي أثار مجموعة من التساؤلات لدى أهالي البلدة، إذ إن أفران شركة هولسيم تقع في النطاق العقاري لبلدية كفريا، والأفران الوحيدة التي تملكها هولسيم في النطاق العقاري لبلدة شكا هي تلك العائدة لشركة الاسمنت الأبيض.

وكان مدير شركة هولسيم جميل بوهارون، قد أعلن قبل يومين أن الشركة ستسعى إلى الحد من الغبار الناتج من الشركة اللبنانية للاسمنت الأبيض عن طريق تحسين وضع الطرقات المؤدية إلى المعمل عبر رش المياه في المنطقة المحيطة كحل فوري مؤقت‎‎؛ بينما تتضمن التدابير الأخرى القيام بأعمال الصيانة في مصاعد الكلنكر والأنابيب، والتحقق من الفلاتر بشكل دوري، وإغلاق هنغار الكلنكر. كما ستقوم الشركة بتغطية المطحنة عن طريق ستائر في المدى القصير، وتشيّد هيكلاً يحيط بالمطحنة للتخفيف من الضوضاء ‎‎على المدى الطويل.

يؤكد رئيس هيئة حماية البيئة في شكا بيار أبي شاهين أن الإجراءات المتعلقة بصيانة وتحسين وضع أفران الشركة اللبنانية للاسمنت الأبيض هي مطلب تاريخي لأهالي شكا، وخصوصاً أن الروائح الكريهة والغبار المنبعثة منها لا تطاق. لكن أبي شاهين جدد رفض أهالي البلدة القاطع لحرق أي أدوية منتهية الصلاحية في أفران شركة هولسيم، سواء تلك الواقعة في كفريا أو في شكا، لغياب أي شكل من أشكال الرقابة.

وفي وقت لا يحل فيه ترخيص وزارة البيئة محل الرخصة الإدارية النهائية المعطاة من قبل المحافظ، يؤكد أبي شاهين أنه سلّم شخصياً محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا نسخة عن القرار، وأن المحافظ لم يكن قد اطلع عليه، طالباً منه إعادة النظر بمنح الترخيص الإداري لأن هناك الكثير من الشوائب المتعلقة بعمل الشركة، وخصوصاً أن المحافظ نهرا جال قبل يومين على مصنع الشركة اللبنانية للاسمنت الأبيض وعاين حجم الضرر البيئي الذي تلحقه.

يشكك نشطاء

البيئة في نوعية الأدوية التي ستُحرَق في الأفران

وينص قرار وزارة البيئة على ضرورة التزام شركة هولسيم بعدم استقبال أدوية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستعمال تحتوي في تركيبها على مادتي الكلور أو الزئبق، إضافة الى الأدوية المضادة لنمو السرطان. لكن أبي شاهين يشكك في نوعية الأدوية التي ستُحرَق في الأفران وضمان خلوّها من الزئبق Hg والكلور Cl، وذلك عبر إمرار كميات من الأدوية والأدوات التي تحتوي على مادة الزئبق وعلى نسب مركزة من الكلور مثل أدوية السرطان، التي يفترض ألّا تُحرَق نهائياً، كما ورد في قرار وزارة الصحة رقم 58/1. كذلك يشكك أبي شاهين في أن تكون درجة حرارة الأفران أثناء عملية الحرق لا تقل عن 2000 درجة مئوية لضمان الاحتراق الكامل لمواد الـDIOXINS & FURANS المسرطنة، إضافة إلى آلية التخلص من رماد الحرق الذي يصنف بأنه مادة عالية السمية، وينبغي دفنه في مطامر مخصصة للنفايات السامة، في حين أن الرماد الناتج من الأدوية سوف يشكل جزءاً من الخليط الاسمنتي الذي سيستقر في نهاية المطاف في بيوت اللبنانيين.

في المقابل، تدافع شركة هولسيم بشدة عن نجاح تجربتها لمعالجة أطنان من الأدوية المنتهية الصلاحية في أفرانها. وبناءً على هذه التجربة، تمنح وزارة البيئة سنوياً ترخيصاً بيئياً حصرياً لشركة هولسيم لمعالجة الأدوية المنتهية الصلاحية، وتعمد الشركة الى نقل هذه الأدوية من مستودعات وزارة الصحة الى المعمل وفق المواصفات التي وضعها مكتب التدقيق الفني APAVE.

يرفض رفعت سابا، رئيس هيئة حماية البيئة والتراث في الكورة، وممثل الجمعيات البيئية في المجلس الوطني للبيئة، أي عملية توسع في نوعية المواد التي تحرق في مصانع الاسمنت، وخصوصاً الأدوية والإطارات وغيرهما من المواد التي يجب التخلص منها بطرق أقل تلويثاً. وأضاف سابا «إن وزارة البيئة لم يصلها بعد التصريح الأخير لوزيرة البيئة الفرنسية سيغولين روايال التي رأت فيها أن أسلوب الحرق للتخلص من النفايات بات من الماضي». وأضاف سابا «تناسى الزحلاويون خلافاتهم السياسية وتسابقوا للمطالبة بإلغاء الترخيص المعطى لشركة التطوير والتعمير لمالكها بيار فتوش لإنشاء معمل اسمنت، أما في شكا، حيث التلوث واضح والضرر موجود وأكيد، فلا بأس من الترخيص لشركة الترابة الوطنية بزيادة إنتاجها أربعة ملايين طن سنوياً، رغم كل الاعتراضات، وذلك في سياق نفس سيناريو الموافقات المشبوهة، وتعديل تصنيف المنطقة في شكا وجوارها».

وأوضح «لقد أثبتت الدراسات وجود تلوث غير مبرر في شكا وجوارها، وما يطالب به الأهالي وسيلة لتحديد هذا التلوث ومصدره ومعالجته قبل السماح بأي أعمال صناعية جديدة أو حرق أدوية تزيد الانبعاثات الحالية. لذلك نكرر مطالبتنا المسؤولين بوقف الترخيص بأي زيادات في الإنتاج أو في السماح بإحراق الأدوية أو النفايات المنزلية في الأفران. ولكي لا تكون الاعتراضات خجولة وبدون متابعة، دعا سابا الى ضرورة توحد الصوت الكوراني والبتروني وتأليف لجنة متابعة من مختلف شرائح المجتمع المعنية بالموضوع.