عادت قضيّة التوريث السياسي خصوصاً عند الأحزاب "الاقطاعية" لتتصدّر المشهد السياسي الداخلي في ظل غياب الأحداث الأساسية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى الرغم من أن الهمّ الأمنيّ يطغى على مجمل الملفات ومن ضمنها التوريث السياسيّ المقرون بانتخابات نيابية مؤجّلة بحجّة الأمن الهشّ، غير أن ما رُسم قد رسم ولم يبق سوى التنفيذ عند أوّل فرصة سانحة.
المورّثون ثلاثة وأوّلهم النائب وليد جنبلاط، العارف باللعبة السياسية الداخلية والخارجية، وتيمور جنبلاط بات مؤهّلا لتسلّم القيادة. مقرّبون من النائب جنبلاط يرون في الخطوة انجازاً على الصعيد الدرزي، ويعتبرون أن ما يقوم به الأب ناتج عن خبرة كبيرة، منعاً لأن يدفع تيمور نفسه الثمن الذي دفعه والده اثر استشهاد كمال جنبلاط. ويرى العارفون أن قلّة خبرة وليد جنبلاط في تلك المرحلة دفعت به الى خوض حرب ضروس في الجبل، ناهيك عن أخطاء أخرى كادت أن تودي بالطائفة الى مصاعب جمّة. فلو كان كمال بيك بخبرته ورصانته وحكمته على رأس الجبل الدرزي في تلك المرحلة لما حصلت للجبل اهتزازات أطاحت بالعيش الواحد وهجّرت المسيحيين. ويتابع المقرّبون تأكيدهم أن البيك ينتظر اشارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتقديم استقالته من النيابة، فتجري انتخابات فرعية يكون تيمور الفائز بالتزكية فيها. فيتفرّغ النائب الى الشأن العام ويتفرّغ الأب المستقيل لمتابعة نجله.
هذا درزياً أما مسيحيّاً ومارونيّاً بالتّحديد فرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية يرى بالعين الجنبلاطية، خصوصاً وأنه مرّ بتجربة أليمة ابّان الحرب اللبنانية وهو غير مطمئن كوليد جنبلاط الى مستقبل المسيحيين في لبنان وسوريا. وقد بدأ بتحضير نجله طوني لخوض غمار الشأن العام، وأوكل اليه مهمّات التواصل مع القاعدة الشعبية والتنسيق بين أعضاء المجلس السياسي في تيار المردة. غير أن فرنجية الإبن لم يصبح بعد حاضراً في "الفورما" السياسية.
وفي انتظار تبلور صورة الوضع الأمني واعطاء بري الضوء الأخضر للـ"بَيْكَيْن" سنشهد انتخابات فرعية ثانية جراء استقالة نائب ثانٍ وانتخابات فرعية ثالثة جراء وفاة النائب ميشال حلو في جزين.
ومارونيّا أيضاً، ولأسباب تتعلّق بالخوف من المجهول–المعلوم سيستقيل رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل من رئاسة الحزب، فاسحاً في المجال أمام نجله النائب سامي الجميّل للوصول الى رئاسة حزب الكتائب على حياة والده.
خطوة الرئيس السابق للجمهوريّة أمين الجميّل تأتي في اطار قطع الطريق على الطامحين الى رئاسة الحزب، خصوصاً النائب نديم الجميّل نجل الرئيس السابق للجمهورية الشهيد بشير الجميّل الذي بات غير مرغوب به في حزب الكتائب من قبل العائلة. وقد وصلت الأمور بين الرئيس أمين الجميّل ونجل أخيه نديم الى حد القطيعة، حين خالف النائب الشاب بعض قرارات عمّه الحزبية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مواقفه من قانون الانتخاب الأرثوذكسي. مقرّبون من النائب نديم الجميّل يؤكّدون أن استياء أمين الجميّل منه لا علاقة له بالمواقف السياسية كون الرجلين لا يزالان معاً في خط الرابع عشر من آذار وسقف الاختلاف بينهما لا يعطي مجالاً لبلوغ حدّ الخلاف. ويرى المقرّبون أن السبب الرئيس لغضب أمين الجميّل مرتبط بقرب النائب نديم الجميّل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأمر الذي يغيظ الرئيس السابق الجميّل ويرفضه رفضاً قاطعاً. وما يجعل من استقالة أمين الجميّل حتميّة هي قدرة نجله على اقناع والده بضرورة حسم أمر رئاسة الحزب على حياته والعمل على تسليمها بانتخابات مدعومة من الأب كون نديم الجميّل يحظى بمؤيّدين داخل حزب الكتائب الّذي لا يحتمل أي صراع جديد.
المورّثان النائبان ينتظران اشارة بري، الذي ينتظر بدوره وضعاً أمنيّاً أفضل من الذي نعيشه اليوم. والمورّث الثالث ينتظر الوقت المناسب لحسم موضوع رئاسة حزب الكتائب من دون احداث بلبلة كبيرة.
والمشكلة الحقيقية أن التوريث السياسي بات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح أمرا واقعًا ولكن! كيف يمكن لشعب يدّعي الاصلاح ويؤمن بالتغيير والانفتاح والرقيّ أن يُفرض عليه ابن بيك أو ابن رئيس أو ابن أي مسؤول في القرن الواحد والعشرين؟ وكيف يمكن للمورّثين أنفسهم نسف ما يقولونه في بياناتهم الدورية عن الحريّة والديمقراطية ونبذ الاقطاعية والظلم؟