تسارعت التطورات في اليمن مع الانقلاب الذي قام به الحوثيون الذين ادرج تحركهم، ولو انه يأتي نسبياً ضمن التحولات اليمنية الداخلية، في اطار الصراع الاقليمي خصوصاً بعدما قال عنهم علي شيرازي ممثل المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي لدى فيلق القدس انهم نسخة مشابهة من "حزب الله" في لبنان مع العد العكسي الذي بدأ يسجل لاتفاق يجري الاعداد له على الملف النووي الايراني بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا وايران ويفترض الوصول اليه قبل 24 آذار المقبل. حتى الآن يسود انطباع ديبلوماسي ان ايران وبدعم الحوثيين أخيراً تسعى الى تجميع مزيد من الأوراق قبيل حلول موعد الاتفاق على النووي سلباً أو ايجاباً بعدما وضع المسؤولون الايرانيون التطورات في اليمن من ضمن انتصاراتهم في العراق وسوريا ولبنان على نحو يرمي الى تعزيز نفوذهم الاقليمي ويجعلهم في موقع قوة في المرحلة المقبلة لدى فتح ملفات المنطقة او الى ابتزاز واشنطن في مرحلة دقيقة من المفاوضات فضلاً عن حشر المملكة العربية السعودية في لحظة انتقال سياسية.

ويقول مراقبون ان التطورات الأخيرة التي تمثلت في وضع الحوثيين يدهم على السلطة كشفت ارباكاً لدى الولايات المتحدة ازاء التعاطي مع الموضوع في ظل تساهل اميركي مع التمدد الايراني في المنطقة على وقع المفاوضات حول النووي من جهة وعلى ضوء الالتقاء على مواجهة العدو المتمثل بالارهاب وفق ما حصل في العراق كما في سوريا حيث لا تحظى ايران بانتقادات اميركية تذكر بل على العكس في الوقت الذي "تصطف" هذه الدول الى جانب الحرب ضد داعش كما بدأ يروج "حزب الله" في لبنان والحوثي غداة انقلابه لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية او تنظيم القاعدة كما الحال في اليمن. فهذا الارباك برز في رد الفعل الاميركي على هذه التطورات والذي لم يظهر سوى بعد لقاء وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع نظرائه من مجلس دول التعاون الخليجي على هامش مؤتمرحول الامن المنعقد في ميونيخ بحيث بدا ان واشنطن لم تبلور موقفاً من هذه التطورات فقال احد مسؤوليها في ميونيخ ان واشنطن لا تعرف حتى الان النتيجة التي يرغب البيت الابيض في رؤيتها في اليمن، فيما سلط الخليجيون الضوءعلى مخاوفهم على الاستقرار في المنطقة ولم يلبثوا ان اصدروا بياناً قوياً ضد الانقلاب الذي قام به الحوثيون والذي كان نتيجته حض المجتمع الدولي على اتخاذ موقف اقوى من هذه التطورات فتحرك مجلس الامن لكن من دون ان يندد بالانقلاب الحوثي كما هرع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الرياض. وبحسب هؤلاء المراقبين فان واشنطن التي لها مصلحة حيوية في اليمن في محاربة تنظيم القاعدة ومحاولة الحوثيين بيعها سيطرتهم بالقوة على السلطة لهذا الغرض بالذات، قد تجد نفسها في وضع حرج ازاء حلفائها في دول الخليج ومصالحهم المباشرة والحيوية خصوصا بالنسبة الى المملكة العربية السعودية في الوقت الذي تضغط ايران من جهة أخرى في محاولة الدفع بمصالحها بعيداً في المنطقة عشية انتهاء مهلة المفاوضات حول النووي الايراني في محاولة لفرض أمر واقع جديد يكمل خلط الاوراق الجاري في المنطقة على قاعدة يشتد وقعها المذهبي في الصراع القائم بين السنة والشيعة وقد يؤدي الى نسف كل الجهود الاميركية لاحتواء تنظيم الدولة الاسلامية.

وبحسب هؤلاء المراقبين فان التطورات اليمنية في نسختها الأخيرة تشكل التحدي الأول والأبرز للحكم الجديد في المملكة العربية السعودية لجهة اعطاء المؤشرات لما ستكون عليه السياسة الخارجية للمملكة. فحتى الآن بنيت كل التكهنات والتوقعات على واقع ان الحكم السعودي لن يدخل تغييرات جذرية على السياسة الخارجية للمملكة، الا ان الأمر سيكون رهنا بطبيعة المخاطر التي تستشعرها المملكة على مصالحها ولو ان التحدي اليمني ليس جديداً وهو كان في طور التحول وصولاً الى سيطرة الحوثيين بالقوة على السلطة وفرضهم لمجلس رئاسي للحكم. وقد يكون التطور اليمني جزءاً من امتحان او رصد رد الفعل السعودي في ظل الفريق الجديد في الحكم. وقد سارعت وسائل اعلام عربية عدة الى دعوة دول مجلس التعاون الخليجي الى عدم مقاربة سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن كما تمت مقاربة استخدام "حزب الله" سلاحه للسيطرة على بيروت والسلطة في لبنان في 2008 انطلاقا من انه أرسى أمراً واقعاً يسمح لايران القول انها باتت تسيطر على لبنان وتستخدمه ورقة لنفوذها كما تترجمه حالياً في عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ومن ثم فان هذه التطورات تشكل تحدياً للولايات المتحدة على رغم ان اعلان الرئيس الاميركي باراك اوباما استراتيجيته للامن القومي يوم الجمعة الماضي لم يتضمن اي تغيير في طريقة مقاربته شؤون المنطقة متحدثاً عن "الصبر الاستراتيجي"، لكنه تعهد مواصلة حماية حلفائه في المنطقة، وعلاقته مع الحكم السعودي الجديد الذي سارع الى لقائه بوفد كبير جداً من أجل الاطمئنان الى الخطوط الكبرى للتعاون.