لا شك أن قضية إزالة الرايات الإسلامية عن مستديرة ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس، أعادت عاصمة الشمال الى الواجهة من جديد بعدما عاشت الهدوء في الآونة الأخيرة على رغم التفجيرين الإنتحاريين اللذين إستهدفا جبل محسن. فإعادة تحريك الملف الأمني في المدينة، ولو أنها ترجمت بلسان نائب "تيار المستقبل" خالد الضاهر التحريضي، لها أسباب وخلفيات عدة تتخطى في حدودها مسألة إزالة راية هنا وصورة هناك، وترتبط من جهة بالمعادلة السياسية في طرابلس، ومن جهة أخرى بصراع النفوذ داخل تيار المستقبل.
لو لم ينزل عدد من المشايخ السلفيين الى ساحة عبد الحميد كرامي ليل السبت-الأحد، لما نزل الضاهر بمفرده وقال ما قاله بحق يسوع الملك والرموز الدينية المسيحية. وإذا كانت للنائب المستقبلي حسابات سياسية خاصة دفعت به الى النزول، فلهؤلاء المشايخ أهدافهم وغاياتهم وحساباتهم ايضاً، وبعد التوقف عند كل حالة على حدى، تظهر الأسباب والخلفيات مجتمعة.
بين المشاركين في حفلة تحريض ساحة عبد الحميد كرامي من نزلوا للحرتقة على الحوار القائم بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، وعلى أحد المحاورين الأساسيين فيه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، كل ذلك على إعتبار أن قرار إزالة الصور والشعارات من الشوارع تم الإتفاق عليه على طاولة الحوار التي يعتبرها الضاهر وسلفيو طرابلس غير مجدية وتلحق الضرر ما اصطُلِحَ على تسويقه وتسميته بأهل السنة لمصلحة "حزب الله".
وبين المشاركين في حفلة التحريض أيضاً، هناك من نزل للتعبير عن غضبه بطريقة غير مباشرة، من القرار السياسي الذي إتخذه رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري وإنتشر في طرابلس بسرعة إنتشار النار في الهشيم، قرار يقضي بإبعاد رئيس فرع إستخبارات الجيش اللبناني في الشمال العميد عامر الحسن عن منصبه وإرساله موفداً عسكرياً الى إحدى الدول الأوروبية. ولمن لا يعرف الحسن في الفترة الماضية وتحديداً في زمن جولات القتال بين جبل محسن وباب التبانة، فهو أحد اللاعبين الأساسيين في المدينة، نظراً الى علاقته القوية والمتينة التي كانت قائمة مع عدد لا بأس به من قادة المحاور والمشايخ السلفيين الذين حصلوا على الدعم اللازم منه حين أمّن لهم الغطاء الأمني حيث يجب، وأطلق سراح الكثيرين منهم على رغم تورطهم بالأحداث الدموية.
أما السبب الثالث الذي حرّك حماسة بعض المشاركين في حفلة التحريض هذه، فيتعلق بالمحاولات السياسية الطرابلسية الهادفة الى إطلاق سراح أمير منطقة باب التبانة الشيخ حسام الصباغ الموقوف منذ تموز عام 2014 بتهم إرهابية عدة. محاولات باءت بالفشل حتى اللحظة، إذ اصطدمت بالطعون القضائية التي قدمت بطلبات كف التعقب عن الصباغ، والتي عرقلت عملية إطلاق سراحه.
إذاً القضية أبعد من إزالة راية إسلامية، والمطلوب زعزعة أمن طرابلس من جديد، فهل ينجح المحرّضون في تحريضهم الهادف الى عودة عقارب الساعة الى الوراء؟