تركت الحرب الأخيرة على قطاع غزة آثارًا سلبية كبيرة، ظهرت انعكاساتها على شتى نواحي الحياة في غزة، لكن أبرزها ما بدأ يظهر ويتفشى في هذه الاثناء من أمراض خطيرة ومتنوعة تصيب المواطنين نتيجة الصواريخ والقذائف والمواد السامة التي اطلقتها قوات الاحتلال الاسرائيلي على غزة، إضافة الى المواد المتفجرة وما ينتج عنها من دخان ومواد اشعاعية تحدث امراضًا خطيرة.
في وقت تؤكد جهات الاختصاص أنّ الكثير من الأمراض لم تظهر بعد، فإنّ الأسوأ من ذلك يتمثل في عدم وجود الامكانيات والأجهزة الطبية والكيماويات لدى الوزارات في قطاع غزة، التي يمكن أن تتيح اكتشاف هذه الأمراض قبل حدوثها أو حتى إجراء أي بحوث ودراسات علمية.
ووفقاً لاحصائيات وزارة الداخلية الفلسطينية، فإن الطائرات الاسرائيلية ألقت خلال عدوانها على قطاع غزة منذ بداية تموز الماضي، ما يعادل 6 قنابل نووية من المتفجرات، بقدر 20 ألف طن، من خلال استخدام إسرائيل لترسانة حربية بكافة إمكانياتها كالطيران الحربي بأنواعه: "الطائرات بدون طيار، والأباتشي، والعمودي و"F 15، F16"، والتي أطلقت قذائف متنوعة أبرزها "MK82، MK83، MK84"، والتي تحدث انفجارا وتدميرا ضخمين في المكان التي تطلق عليه.
أمراض خطيرة
ويؤكد مدير مركز تحليل الأغذية في جامعة الأزهر بغزة، الدكتور محمد الهندي، أن المتفجرات التي استخدمتها قوات الاحتلال خلال حربها، أدت إلى تفشي أمراض خطيرة لدى المواطنين، وتزايد حالات تشوه الأجنة والإجهاض، إلى جانب الكثير من الأمراض التي ظهرت في مزارع الدواجن والأبقار وغيرها.
وفي حديث إلى "النشرة"، أوضح الهندي أن المتفجرات وأنواع الأسلحة المختلفة أثّرت أيضا على حواس السمع والبصر عند المواطنين، إذ تبيّن من خلال إجراء بعض الدراسات على أيونات الدجاج والأرانب، بعد تشريحها أن جميع أعضائها الداخلية متليّفة ومتنخّرة، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام البشري، لافتاً إلى أن بعض الفحوصات أظهرت تشوهات وأمراض كثيرة "كنا لا نراها في البحوث الطبية العلمية السابقة".
ولفت إلى أنه وفي بعض الحالات "وجدنا الأجنة داخل الأرحام مقطّعة".
لم تظهر بعد..
وعن أوقات وسرعة ظهور الأمراض ومدى انتشارها، ألمح الهندي إلى أن الكثير منها لم تبدأ بالظهور بعد، وقد تأخذ وقتا، مشيراً إلى أنّ عدم وجود الامكانيات والمواد اللوجستية والأجهزة الطبية والكيماويات لدى الوزارات في قطاع غزة، هي التي تحول دائما أمام إجراء بحوث عن هذه الأمراض.
وأضاف الهندي: "هذه الأمراض قد لا تترك آثاراً سريعة، لكن عدد من التشوهات ظهرت وحالات الاجهاض زادت لدى النساء الحوامل، وهناك إجهاض نوعي أي أنه في الثلث الأول أو في بداية الحمل أو في الأشهر الأخيرة".
وأوضح الطبيب أن بعض التحاليل والامكانيات غير موجودة لدى الوزارات في قطاع غزة، كي نستبق الحدث ونكتشف هذه الأمراض قبل ظهور أعراضها، مشدداً على أن الخطورة تكمن في ذلك، لأن لا أحد يجزم أن الأمراض قد تظهر قبل أشهر أو سنوات.
وفيما أشار رئيس مركز الأدوية ومدير مركز تحليل الأغذية في جامعة الأزهر بغزة، إلى أنّ نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية في قطاع غزة زادت وتنوعت عما قبل ست سنوات، حمّل المجتمع الدولي مسؤولية ما اقترفته إسرائيل من مجازر بحق الشعب الفلسطيني واستخدامها الأسلحة المحرمة دولياً ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
معدلات مرتفعة
وفي جانب آخر، أكّدت الإحصائيات أن مرض "السرطان" يُعد ثاني أكبر مسبب وفيات في فلسطين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ أن وفيات الفلسطينيين الناتجة عن السرطان بلغت ما نسبته 13.3%، وهو يحل بالمرتبة الثانية بعد أمراض القلب والأوعية الدموية وفقاً لمركز المعلومات الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية.
وأوضح المركز أن سرطان الرئة أتى في مقدمة السرطانات المؤدية للوفاة بين الفلسطينيين بنسبة 17.9%، تلاه سرطان القولون بنسبة 16.5%، ثم ثالثا سرطان الثدي بنسبة 9.1%، ورابعا سرطان الكبد بنسبة 7.3%، وخامسا سرطان الدماغ بنسبة 6.9%.
وذكر المركز نقلاً عن بيانات السجل الوطني للسرطان في فلسطين، أن السرطانات الخمسة: الثدي، والرئة، والقولون، والكبد، والدماغ تشكل حوالي 60% من حالات السرطان التي تؤدي للوفاة بين الفلسطينيين.
وعن الوقاية من كل هذه الأمراض المذكورة، قال الدكتور الهندي أن "عدم تكرار الحروب على قطاع غزة، تعد الوقاية الوحيدة من مختلف الأمراض التي انتشرت في قطاع غزة على وجه الخصوص".