في خضّم الحوارات الاسلامية-الاسلامية والاسلامية-المسيحية، تبرز بين الفينة والأخرى امتيازات رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون على غريمه السياسي على الساحة المسيحية رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
فعلى الرغم من أن الرجلين مصطفّان كلّ في خندق سياسيّ مختلف وعلى الرغم من تقيّدهما بسقف لا يمكن لهما تجاوزه، إلا أن للجنرال ميشال عون قدرة دبلوماسيّة تجعله قادراً على خرق الاصطفافات ومردّها الى عوامل عدة، منها ما يتميّز بها شخصه ومنها ما يهديه إيّاها فريق الرابع عشر من آذار بمعرفة أو بدون معرفة.
أما أسباب تميزّ عون بشخصه تعود الى:
- حجم تكتلّه النيابي أوّلاً، وهو ما يجعله رقماً صعباً في الحسابات السياسية ويمنع تجاهله أو استبعاده عن أي تفصيل سياسيّ على المستويات كافّة.
- ايحاءه الدائم للخصوم والحلفاء باستعداده لقلب الطاولة في أي وقت يتم تجاهله أو تخطّيه، وسبق أن قلب الطاولة مراراً على العديد من حلفائه وتحالف مع البعض من خصومه.
- ثباته في تحالفاته وعدم رضوخه للاغراءات أو التهديدات مهما كانت كبيرة وعدم تخلّيه عن الحليف في حال كان ذلك الحليف صادقاً في تعاطيه معه.
- مبادراته الدائمة الى التواصل بين كل اللبنانيين وتمتّعه بهامش من الاستقلالية يسمح له بالتحاور مع من يريد من دون أن يؤثر ذلك على علاقاته بالآخرين.
- فرض نفسه المرشّح الأوحد للرئاسة الأولى في فريق الثامن من آذار مع تأكيد الزعماء الموارنة المنضوين في صف الثامن من آذار تزكيته الى الرئاسة عن قناعة تامة في كل مرة يُسألون فيها عن مرشّحهم الرئيس.
- علاقاته الجيّدة بالخارج دوليّاً وعربيّاً واستطاعته التواصل مع السعودية وايران معاً ومع سوريا والولايات المتحدة وروسيا.
أما هدايا فريق الرابع عشر من آذار فهي كثيرة، ومنها:
- اظهار عون بمظهر الضحيّة في كل مرة يتم التكتل ضدّه سنيّاً وبغطاء درزيّ وبدون معارضة علنيّة من مسيحيّي الرابع عشر من آذار.
- التواصل بين قيادة الرابع عشر من آذار المتمثّلة برئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري و"تيار المستقبل" مع عون من دون الأخذ بعين الاعتبار الفيتو الموضوع على التواصل مع جعجع من قبل أكثرية فريق الثامن من آذار.
-عدم تعويم جعجع سياسياً على حساب "تيار المستقبل" أو حلفائه السنّة في المناطق حيث الوجود المسيحي الأكثري. وهذا ما حصل في الانتخابات النيابية وخصوصا في بيروت حيث رفض "تيار المستقبل" السماح لجعجع بترشيح المسيحيين في حين أن "حزب الله" دعم عون على حساب رئيس مجلس النواب نبيه بري في جزين وأحال الى تكتّله نائبه اميل رحمة.
- عدم التزام "تيار المستقبل" بالقانون الأرثوذكسي ما أحرج جعجع في حين أن "حزب الله" وقف الى جانب عون بغض النظر عن اقتناعه بالقانون وموافقته الضمنية أو لا غير أن ما ظهر للعلن أعطى عون المزيد من الدعم والقوة على حساب جعجع.
- الاختلاف الشاسع بين دعم رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية لعون وتكراره دائماً بأنه مرشّحه الى رئاسة الجمهورية وبين محاولة رئيس حزب "الكتائب" الرئيس أمين الجميّل تزكية نفسه مرشّحاً للرئاسة وقبوله على مضض السير باسم جعجع، ناهيك عن طموحات كثيرة للموارنة المنضوين في صف الرابع عشر من آذار وعلى رأسهم النائبين روبير غانم وبطرس حرب.
- علاقات جعجع الخارجية غير القويّة وخصوصاً مع ايران وعدم قدرته على أخذ تفويض سعوديّ من خلال "تيار المستقبل" بفتح علاقات مع ايران من دون حرد سعوديّ أو مواقف معارضة من الحلفاء.
أما بعد، فالواضح أنّ ما يحق لعون في اللعبة السياسية الداخلية والخارجية لا يحقّ لجعجع. وما يؤمّنه "حزب الله" لحليفه المارونيّ لا يمكن لـ"تيار المستقبل" تأمينه لحليفه الماروني الآخر.
والمشكلة الأكبر تكمن في صمت جعجع عن استقبال الحريري الدائم لعون وتناول الطعام الى مائدته لا بل عن ترحيب المملكة العربية السعودية بوزير الخارجية جبران باسيل وبعون في أكثر من زيارة.
ومن غير اللائق أن يكون لقاء عون بالحريري لا يمر الا برغبة الطرفين في حين أن لقاء جعجع بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله لن يكون الا برغبة عون نفسه.
وصحيح أن جعجع "مبدئي" في مواقفه وسياسته غير أن حلفاءه غير قادرين على اعطائه ما يلزم ليكون اللاعب الأساس في فريقه، ولا يهمّهم الا أن يكون مساعداً على تعطيل وصول عون الى الرئاسة.
وخلاصة الكلام، فإنّ للحوار المسيحي-المسيحي فرصة انقاذ الدور المسيحي في لبنان من أي هيمنة طائفيّة قد تطاله.