في عملية عسكرية أثارت حولها علامات الإستفهام، أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن تركيا نقلت رفاة سليمان شاه، جدّ مؤسس الإمبراطورية العثمانية عثمان الأول، وأعادت 40 جندياً تركياً كانوا يحرسون الضريح بدون معارك في منطقة يسيطر عليها تنظيم "داعش" في سوريا.
وفي حين أصر أوغلو على القول أن أنقرة لم تطلب "إذن" أو مساعدة أي جهة، يبدو أن حقيقة الأمر لم تكن كذلك، لا سيما أن العملية تمت عبر منطقة "كوباني"، التي يسيطر عليها الأكراد، ومن المعروف أن العلاقة بين الجانبين تاريخياً لم تكن جيدة، ما يؤشر إلى أن هناك ما لم يُكشَف عنه رسمياً حتى اليوم.
في هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة في حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني"، أن هذه العملية تمت بالتنسيق مع قوات حماية الشعب الكردي المتواجدة في "كوباني"، وتوضح لـ"النشرة" أنّ الإتفاق على ذلك تمّ قبل نحو 4 أيام بعد سلسلة من الإجتماعات، وتلفت إلى أنّ "العملية تمت عبر مركز مرشدبينار الحدودي الذي يسيطر عليه الأكراد".
وتذهب هذه المصادر أبعد من ذلك في حديثها، من خلال التأكيد أنّ هذه العملية تمت بحماية "قوات حماية الشعب"، حيث تشير إلى أن مجرد موافقة "القوات" على دخول القوة التركية يعني أنها مسؤولة عن تأمين الحماية لها، خصوصاً أنها تمر في مناطق تقع تحت سيطرتها.
وما يدعو إلى الإستغراب هو أن الأكراد كانوا خلال المعارك الشرسة التي شهدتها كوباني، قبل مدّةٍ قصيرةٍ، يوجّهون الإتهامات إلى الحكومة التركية بدعم تنظيم "داعش"، الذي كان يهاجم أراضيهم. بالإضافة إلى ذلك تعاني أنقرة مشكلة أساسية مع حزب "العمال الكردستاني"، الذي لا تزال تعتقل حتى الساعة زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان، إلا أنها اليوم نسقت معهم، وهم في الوقت عينه قدموا المساعدة إلى قواتها العسكرية.
هذا الأمر توضحه مصادر حزب "الإتحاد الديمقراطي"، من خلال الكشف عن أن الموافقة الكردية على دخول القوات التركية، تمت بطلب من قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، الذي ساعد "قوات حماية الشعب" خلال المعارك في كوباني، وبناء عليه حصل ذلك، خصوصاً أن لا مصلحة كردية في رفض هذا الأمر، بعد تطور العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا التعاون بين الأتراك و"قوات حماية الشعب"، برعاية التحالف الدولي، ليست الأولى من نوعها، حيث سمحت حكومة أنقرة قبل ذلك بدخول قوات البشمركة، القادمة من العراق، عبر أراضيها إلى كوباني للمشاركة في محاربة تنظيم "داعش"، وتؤكد أن ذلك ما كان ليحصل لولا الضغط الأميركي.
وفيما تلفت هذه المصادر إلى أنّ حزب "الإتحاد الديمقراطي" يدرك أنّ هناك مصلحة كردية في بناء علاقات جيدة مع تركيا، تعتبر أنّ ما حصل "بادرة حسن نية"، وتشير إلى أنّ بناء علاقات إيجابية مع أنقرة سوف يساهم في تحسين العلاقة مع قوى سورية، أبرزها "الائتلاف الوطني السوري"، مع تشديدها على أنّ هذا الأمر يتوقف أولاً على جدية الجانب التركي في معالجة القضية الكردية.
هذه "البادرة" التي قام بها الأكراد، كرمى لعيون بعض الجهات في التحالف الدولي، يأملون أن تكون في المرحلة المقبلة بطريقة معاكسة، من خلال ضغط الجهات نفسها على الجانب التركي ليستجيب إلى بعض المطالب التي يعتبرونها محقة، وتؤكد هذه المصادر أن العلاقات تتجّه الى التطوّر نحو الأفضل مع بعض الدول بشكل كبير، ولا تنفي أن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى المصالح المتبادلة بين الجانبين، لا بل تشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل معها المزيد من المفاجآت.