مضى وقت طويل لم يوجه خلاله سفير غربي "تقريعا " الى السياسيين اللبنانيين علنا كما فعل السفير البريطاني في لبنان توم فلتشر اثر لقائه رئيس الحكومة تمام سلام الذي ينشط في اتصالات من أجل انقاذ عمل حكومته التي تتولى مهمات رئيس الجمهورية جنبا الى جنب مع مجموعة من الزعماء السياسيين في نقاش يجريه حول آلية اتخاذ القرارات فيها. فلتشر لمس حتما استياء رئيس الحكومة من العرقلة لعمل الحكومة التي تقوم مقام رئيس الجمهورية في ظل عرقلة انتخاب رئيس جديد، وهو الذي ساهم بجهود بذلها مع مجموعة من السفراء الغربيين من أجل تأليفها في مساع شملت الاطراف الداخليين ودولا اقليمية عدة ما يترجم مدى ادراكه لظروف لبنان في ظل الاعتبارات والتطورات الاقليمية الصعبة والخطيرة. يومها توجه فلتشر الى باريس حيث التقى الرئيس سعد الحريري فيما توجه ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي الى الرياض وتولى رئيس شؤون الشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو الاتصال بالايرانيين. وكان لفلتشر مبادرة ديبلوماسية ايضا على اثر اغتيال اللواء وسام الحسن حيث التقى سفراء الدول الخمس الكبرى مع بلامبلي لدى الرئيس ميشال سليمان في بعبدا واصدروا بيانا من أجل تهدئة الوضع وعدم تفاقم الامور في الشارع. قال فلتشر بعد لقائه سلام: " يبدو ان بعض القادة اللبنانيين استنتجوا ان الفراغ الرئاسي يصب في مصلحتهم، لكنه ليس في مصلحة الشعب اللبناني وليس في مصلحة الاهل الذين يعملون جاهدين لتربية اولادهم في امان. وليس في مصلحة التجارة التي تحاول ان تبني الاقتصاد وتقدم الوظائف وليس في مصلحة الشباب الذين يبحثون عن امل في المستقبل وليس من مصلحتنا نحن الذين نؤمن بقدرة لبنان على محاربة الصعاب وتخطيها". اضاف: "لم يكن المجتمع الدولي اكثر وضوحا او اتحادا حول اهمية ايجاد حل لهذه المسألة المزمنة وتكلمنا باصوات مرتفعة حول خطورة الاخفاق غير المسؤول في هذا الواجب... لا يتوجب على القادة ان يسجلوا تقدما في هذا الملف من أجل المجتمع الدولي ومن الواضح انهم لن يفعلوا ذلك ولكنهم يجب ان يفعلوا ذلك من أجل الشعب اللبناني".
السفير الشاب طمح لدى وصوله الى لبنان الى معرفة كيفية مقاربة الشباب اللبناني للمستقبل ورؤيتهم للبنان سنة 2020 ورغبة في مساعدتهم على البناء للمستقبل. (وهو امر للمناسبة لا تسمعه من زعماء او قادة لبنانيين). كان هذا تركيزه الاساس لرهانه على ان الاستثمار في الشباب هو الخيار الافضل، فوجد ان لبنان يستنزف شبابه في المماحكات الشخصية والمصالح التي لا تأخذ في الاعتبار حساب الشعب اللبناني. والموقف الذي عبر عنه هو لسان حال مجموعة من رؤساء البعثات الديبلوماسية يرون ان لبنان لا يوظف الاجماع الدولي الذي لا يزال قائما ولم يهتز حتى الآن بالنسبة الى لبنان اي من ضمن مجموعة الدعم الدولية من أجل انجاز استحقاقاته نظرا الى توافق نادر حوله من هذه المجموعة في اوقات حرجة نتيجة الخلافات التي تعصف بين اعضائها حول جملة مسائل دولية واقليمية، بل يتركها لان تكون ساحة للتوظيف من قوى اقليمية بعلم وارادة اطراف داخليين. حتى ان بعض المسؤولين اللبنانيين يذهب في هذا الاتجاه من خلال القول ان لبنان لم يحسن التقاط لحظة لبننة الاستحقاق التي اتيحت امامه ويعيد قذف الكرة في موضوع انتخاب الرئيس العتيد الى الخارج.
لعل فليتشر اراد ان يحدث كلامه صدمة من خلال تحميله بعض القادة اللبنانيين مسؤولية تقديم مصلحتهم الخاصة وتوظيف الفراغ لحسابهم واستهانتهم بمصلحة الشعب اللبناني الذي يلاحظ كثر عدم انتفاضه على هذه الاستهانة وعدم تحركه من أجل تحميله المعرقلين المسؤولية. ولعل كأس الدول الداعمة للبنان طفحت من سياسييه استنادا الى الدعم الذي تقدمه هذه الدول لجيشه لمساعدته على حماية استقراره كما اشار السفير البريطاني او لقطاع التعليم والتربية فيه في حين ان المراوحة اللبنانية في الخلافات وعدم انتخاب رئيس جديد يساهمان في تأخير استفادة لبنان من ذلك او من استفادته على النحو الملائم اذ ان الخارج في حاجة الى رأس للدولة يمثلها ويعبر عنها وليس بحكومة بـ24 وزيرا يتصرف كل منهم على انه رئيس للجمهورية. فكأس هذه الدول طفحت بعد عشرة اشهر من المراوحة في تأليف الحكومة ما دفعهم الى التحرك والضغط بقوة خشية اتجاه الامور الى حيث لا يرغب اللبنانيون ولا الدول المهتمة. وبعدما باتت ازمة الفراغ الرئاسي تقارب بدورها مدة العشرة اشهر جنبا الى جنب مع ازمة على مستوى الحكومة وعرقلة قراراتها، ربما يجد رؤساء البعثات الديبلوماسية في هذا الواقع حافزا من أجل التحرك والضغط مجددا على قاعدة ان الامر لم يعد مقبولا ولا بد من تصعيد اللهجة الديبلوماسية في هذا الاطار.
وهذا الامر قد يكون مفيدا ومميزا وفق ما عبّر عنه السفير البريطاني. الا انه يبقى غير كاف اذ بقي وحده من دون ان تلاقيه مواقف مماثلة دولية واقليمية تجتمع فيها الولايات المتحدة وفرنسا والفاتيكان جنبا الى جنب مع موقفي السعودية وايران من أجل الضغط بقوة في الوقت نفسه لكي يقتنع الافرقاء اللبنانيون بجدية هذه الضغوط فينتخبون رئيسا للجمهورية، والا بقيت الامور تدور مكانها من دون اي نتيجة.