قد تكون من ابرز الاوراق التي يملكها رئيس الحكومة تمام سلام في سياق الازمة الحكومية الراهنة ورقة قوية يرجّح الا يستخدمها، وهي التلويح بتقديم استقالة حكومته خصوصا اذا اخذ في الاعتبار ان جميع الافرقاء يستفيدون من الحكومة ويحرصون على بقائها في هذه المرحلة، كل لاعتباراته الخاصة. فالرئيس سلام لا يضيف الى رصيده الكثير استمرار الحكومة وهي على هذه الحال من العجز والتعطيل، لكنه وبحسب كل عارفيه رفع الصوت حول الآلية المعتمدة لاتخاذ القرارات في مجلس الوزراء من اجل وقف هذا التعطيل على سبيل الضغط المعنوي الذي يأمل ان يؤدي الى نتائج ايجابية. لكن جملة اعتبارات تحول دون لجوئه الى التلويح بالاستقالة، في مقدمها ادراكه حساسية الوضع وخطورته وعدم امكان مخاطرته بتعريضه لاي اهتزاز وحرصه على معالجة الامور بدقة مفرطة في مراعاة كل الاعتبارات والظروف، علما ان ثمة من يقول ان هذه الورقة لا يرد احتمال استخدامها في اي شكل من ضمن اعتبارات الفريق الذي سمّى الرئيس سلام في الاصل، مما اعاد توازنا الى الوضع السياسي الذي كان مختلا في ظل الحكومة السابقة. وهناك ايضا عدم الاقتناع بأن الاستقالة قد تشكل عاملا ضاغطا ربما يدفع المعنيين الاقليميين او المحليين الى تغيير حساباتهم والذهاب الى انتخاب رئيس يصار على اثره تأليف حكومة جديدة. فهذا ليس متوقعا، لا بل هو مستبعد كما هو مستبعد ان يؤدي عدم تعديل الآلية المعتمدة في مجلس الوزراء الى الضغط معنويا من اجل انتخاب رئيس جديد.
الا ان مصادر سياسية متابعة تعتقد ان الامور اخذت منحى مختلفاً مع انعكاس ازمة رئاسة الجمهورية على عمل مجلس الوزراء ومن ضمنها رد الفعل على الحوار العوني القواتي وما يعنيه ذلك بكل احتمالاته الايجابية في شكل اساسي، وعلى توقيت طرح تغيير الآلية او تعديلها بالعودة الى اعتماد المادة 65 من الدستور. فمن حيث المبدأ سيصعب على الرئيس سلام ان يستعيد من الوزراء ما باتوا يعتبرونه ضمانا للمساواة بينهم من حيث القدرة على تعطيل ما لا يناسب كل منهم. كما ان الموقف الذي نقل عن تخوف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من ان يطوي تعديل الآلية المعتمدة حتى الآن اعتيادا او تطبيعا مع الشغور في سدة الرئاسة الاولى، ولو ان الرئيس سلام لا يترك مناسبة الا ويصر على وجوب التوجه الى انجاز الانتخابات واتجاه ما سمي اللقاء التشاوري الوزاري للانعقاد تاليا في بكركي في اطار حصول موقفه على تغطيتها السياسية، وضع الرئيس سلام في موقف صعب لجهة ضغطه في اتجاه تعديل الآلية في مجلس الوزراء. كما ان مشاركة وزراء من فريق 14 آذار كالوزير بطرس حرب ووزراء الكتائب الى جانب الوزير ميشال فرعون في اللقاء الاول الذي عقد في منزل الرئيس ميشال سليمان قبل ان يعتذر عن المشاركة في اللقاء الثاني في منزل الرئيس امين الجميل، ترك انعكاسات سلبية خصوصا انها انفجرت في اثناء وجود الرئيس سعد الحريري في لبنان بعد عودته للمشاركة في الذكرى العاشرة لاغتيال والده ولم ينجح في ثني وزراء 14 آذار عن موقفهم المتمسك بالآلية السابقة المعتمدة في مجلس الوزراء. فهؤلاء الوزراء شاركوا انطلاقا من حسابات خاصة تتصل بالمزايدات القائمة في الوسط المسيحي وعلى خلفية حوار ثنائي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية استفز المسيحيين المستقلين وحزب الكتائب وعلى خلفية تأكيد التوازن بين كل الوزراء في الحكومة من دون افضلية لفريق او لكتلة على اخرى. لكن قوى 14 آذار تشظت بهذا الاداء وهي على عتبة الاحتفال بالذكرى العاشرة لنشوئها، ولو انه قد تبرز معزوفة تحالف القوى وليس ان 14 آذار تشكل حزبا واحدا، لكن الرئيس الحريري اضطر الى مغادرة لبنان مجددا من دون تسليفه من هذه القوى الحليفة ورقة المساهمة الحاسمة في انقاذ الحكومة من المأزق الذي تجد نفسها فيه.
ما هي الخيارات المتاحة في ظل هذه المعطيات؟
ليس هناك الكثير مما يمكن القيام به. ووفقا لمصادر سياسية معنية، قد لا يكون متاحا في ضوء هذه المعطيات الكثير في ظل التأكيدات حول بقاء الحكومة والحرص على ذلك مرفقة بالاشادة بالرئيس سلام وحكمته ودعمه. وتالياً قد لا يكون متاحا سوى العودة الى الآلية التي اعتمدت لاتخاذ القرارات في مجلس الوزراء منذ انتقلت اليها صلاحيات رئاسة الجمهورية. لكن الرئيس سلام رفع السقف من اجل تعديل الآلية بحيث تسير شؤون المواطنين ولا تعرقل. ولا يمكن عودته الى القبول بالآلية السابقة من دون ثمن يتعين على الافرقاء السياسيين دفعه بحيث يفترض ان يساهم الجميع في تقديم ضمانات او تعهدات ربما من اجل ايجابية اكبر في مجلس الوزراء. ومع ان مثل هذه الضمانات قد تكون مستبعدة، في رأي هذه المصادر، فان فك اسر مجموعة من المشاريع الاساسية قد يكون مهما في حلحلة المأزق الراهن. وهو مخرج قد لا يرضي طموح الرئيس سلام لإنهاء العرقلة والتعطيل في مجلس الوزراء، لكن يخشى ان يضغط الوضع اكثر على الرئيس سلام لإبرام تسوية مقبولة نسبيا في ظل الخشية من ان يكون الخيار البديل، وفق ما يبدو لهذه المصادر، الذهاب الى مشكلة سياسية وامنية في البلد لا تغيب مؤشراتها عن نظر المعنيين والمراقبين على حد سواء.