يبدو أنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد الإستفادة إلى الحد الأقصى، من تجربة المعارك التي شهدتها مدينة عين عرب السورية، من خلال السعي إلى تعميمها عبر دعم مجموعات المعارضة السورية التي تصنفها "معتدلة"، إنطلاقاً من برامج تدريب في بعض الدول وحملة تسليح واسعة نسبياً.
"الصحوات الجدد"، هذه هي التسمية التي تُصر بعض الأوساط المتابعة على إطلاقها على هؤلاء المقاتلين، حيث تشير إلى أن الهدف المعلن لهم محاربة الإرهاب، المتمثل بتنظيم "داعش"، لكنها تشدد على وجود أهداف أخرى تصب في خدمة المشروع الأميركي، وتوضح أن هذه السياسة باتت تطبق بشكل لافت في كل من سوريا والعراق، إلا أن إمتدادها لدول أخرى يبقى خياراً قائماً، في ظل الرفض الواضح لإرسال أي قوات برية إلى أي من ساحات الصراع المشتعلة.
منذ أشهر، تتحدث بعض القيادات الأميركية والسورية المعارضة عن برامج التدريب هذه، وتم تحديد أكثر من موعد لإطلاقها دون الإلتزام بأي منها، نظراً إلى الخلافات في الرؤية بين واشنطن وأنقرة، خصوصاً بالنسبة إلى سعي الحكومة التركية إلى التأكيد على ضرورة أن تشمل مهمة القوات المدربة محاربة النظام السوري، لا الإكتفاء بمحاربة التنظيمات المتطرفة، لكن مؤخراً تم الإعلان عن الإتفاق بين الجانبين، ومن المقرر أن ينتشر في تركيا والسعودية وقطر ما مجموعه ألف جندي أميركي للمساعدة في تدريب المسلحين لإرسالهم لاحقاً إلى سوريا، حيث وصل إلى المنطقة حتى الآن حوالى 100 مدرب أميركي للقيام بهذه المهمة، لكن تبقى المعضلة في عدم وضوح الرؤية لدى الجانب السوري المعارض، في حين أن الجانب الحكومي يرى في ذلك تأكيدًا على دعم الجانبين الأميركي والتركي المجموعات الإرهابية.
وتوضح الأوساط المتابعة لـ"النشرة" أن هذه "الصحوات" ستستخدم من قبل الولايات المتحدة لخلق واقع جديد على الأرض السورية، بحيث يراد الإستفادة منها سياسياً في أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة، خصوصاً أن الجميع بات يدرك أن الرئيس السوري بشار الأسد لن يقدّم أي تنازل بسهولة.
وتستغرب هذه الأوساط الحديث عن السعي إلى إيجاد حل سياسي للأزمة المستمرة منذ 4 سنوات، في الوقت الذي تعلن فيها واشنطن أن برنامجها التدريبي يحتاج إلى ما يقارب الست سنوات، وسيتضمن تدريب ما يقارب 15000 عنصر، مع العلم أن هذا العدد لا يمكن الرهان عليه في تحقيق هدف فعلي على أرض الواقع، إلا إذا كان المطلوب منهم أن يكونوا بمثابة شرطة مدنية تتولى إدارة المناطق التي يتم طرد "داعش" منها، بعد أن أثبتت التجربة أن أياً من الفصائل أو الكتائب غير قادر على القيام بهذا الأمر وحده، وتلفت إلى أن ذلك سيكون شبيهاً بالإدارة الذاتية التي يقيمها الأكراد في مدينة كوباني.
من وجهة نظر هذه الأوساط، فإنّ تعامل واشنطن السابق مع المجموعات المسلحة القائمة لم يكن مجدياً، حيث تبين أنها غير قادرة على خوض أي مواجهة فعلية، لا بل أن القضاء عليها تم في سياق التنافس مع مجموعات أخرى، من المفترض بها أن تكون تقاتل إلى جانبها من أجل إسقاط النظام، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن خلق أخرى جديدة يمكن الرهان عليها، على أن تكون هي القوات البرية في أي مواجهة، في حين تتولى طائرات التحالف الدولي التغطية الجوية.
في هذا السياق، يؤكد أحد أعضاء "الإئتلاف الوطني السوري" البارزين، لـ"النشرة"، أن الصورة لا تزال غير واضحة، ويشير إلى أن المعلومات المؤكدة تتحدث عن معسكرات تدريب في تركيا، لكنه يتوقع أن يكون هناك أخرى في غيرها من الدول، ولا يخفي مخاوفه من ردة فعل عكسية، تتمثل في كسب الجماعات المتطرفة المزيد من التعاطف من وراء ذلك، ويعتبر أن إحتمال بروز "داعش" المقنعة أمر وارد في أي لحظة.
من وجهة نظر هذا المعارض، لم يتم التعامل من البداية مع الميدان بشكل جدي، و"التأخير في دعم الفصائل المعتدلة أدى إلى بروز تلك المتطرفة"، ويلفت إلى أن واشنطن فضلت سابقاً التعامل مع بعض المجموعات الموجودة على الأرض بدل بناء قوة مركزية تشكل نواة مستقبلية لبناء جيش وطني، وهو لا يعرب عن تفاؤله من هذه الخطوة.
بدوره، يشير عضو "الإئتلاف" عبد الأحد أسطيفو، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن بداية برامج التدريب كان من المفترض أن تكون في بداية الشهر الحالي، لكن على ما يبدو هناك تأخير بسبب إعادة تقييم الأسماء التي ستشارك في برنامج التدريب.
ويتوقع أسطيفو أن يتم ذلك في الخامس عشر من الشهر الحالي، ويتحدث عن مرور الأسماء في عملية "فلترة" تمت على ثلاث مراحل، آخرها يحصل من قبل الجانب الأميركي، الحريص على عدم وجود أي عناصر من الممكن أن تدور في فلك الجماعات الإرهابية. ويؤكد أسطيفو المعلومات عن الخلافات السابقة حول الأهداف، بين قتال النظام و"داعش"، لكنه يتحدث عن توافق على أن الأمرين يسيران معاً بحسب المناطق والإمكانات.
وفي حين يعتبر أسطفيو أن الرؤية الأميركية لسوريا غير كاملة، يتوقع أن يكون البرنامج الجديد مجديًا، حيث يعتبر أن الجانب الأميركي عادة ما يكشف عن أمور يكون قد بدأ العمل فيها مسبقاً، لكنه يرى أن "السوريين لا يحتاجون إلى التدريب"، فالمشكلة، من وجهة نظره، هي في السيطرة الجوية التي يتمتع بها الجيش السوري.
في المحصلة، لا تزال الأهداف الحقيقية لهذه الخطة الأميركية غير واضحة، إلا أنها تؤشر على أن مرحلة التسوية السياسية لا تزال بعيدة نسبياً، والمرحلة المقبلة ستكون مرحلة كسب نفوذ في بعض المناطق تحت عنوان مكافحة الإرهاب.