أثار قرار قوى 14 آذار المبدئي إطلاق "المجلس الوطني" أسئلة في بعض الأوساط السياسية والإعلامية عن أبعاد هذه الخطوة وتأثيرها في الواقع السياسي للبنان خلال الأيام الماضية، حين تعاملت معه أوساط أخرى بتجاهل، معتبرة أنه دليل على أن التحالف الذي صنع "انتفاضة الإستقلال" ليس لديه ما يقدم إلى جمهوره في الذكرى العاشرة لهذه الإنتفاضة، فنفض الغبار عن الاقتراح الذي قاتل في سبيله سمير فرنجية وبعض من رفاقه في 2011. لم تتحمس القيادات كفاية ذلك الوقت لتمرّ الفكرة. يبدو أن الظروف احتاجت إلى مرور اربع سنوات كي تنضج.
هل نضجت حقاً؟ السبت المقبل 14 آذار سيقدم الجواب. في مؤتمر مغلق يُفترض أن يقرّ مئات المشاركين من حزبيين ومستقلين إطلاق "المجلس الوطني" وتكليف هيئة تحضيرية من 40 أو 50 عضواً وضع النظام الداخلي خلال شهر. يُشرف على هذه العملية ويتابعها الرئيس فؤاد السنيورة، كما على الوثيقة السياسية التي يكتبها سمير فرنجية لمناقشتها وإقرارها في ختام المؤتمر. وثيقة ستعرض على الأرجح ما تغيّر بين 2005 و2015، وما يجب أن يتغيّر في التعامل مع المعطيات، محلياً وإقليمياً خصوصاً، ودولياً. يندرج من ضمن آلية التغيير إنشاء المجلس تعبيراً عن عودة اتصال قيادة 14 آذار بناسها بعد انقطاع عن جزء كبير منهم.
بعد الصورة الزهرية برزت بالطبع مدى الأعوام التالية حسابات طائفية ومذهبية وحزبية داخل صفوف 14 آذار، هزّت مراراً صورة التضامن الوطني وأتاحت السؤال عن قدرته وأهليته لمواجهة الهجمة المضادة، خصوصاً بعد انضمام "التيار العوني" إلى المقلب الآخر المنقلب على كل أهداف 14 آذار وخروج النائب وليد جنبلاط من التحالف. في النتيجة وبتراكم مأسوي للأحداث وجدت قوى 14 آذار نفسها محرومة المَدد الشعبي الذي انبثقت منه، رغم استمراره في التعبير عن نفسه كلما سنحت فرصة، انتخابات أو سواها، لكأن مفعول الإنتفاضة انتهى لمجرد خروج الجيش السوري وتشكيل المحكمة الدولية. في المقابل تركزت حركة الفريق المضاد على إفهام من يجب أن لا شيء تغيّر رغم خروج الجيش السوري وتشكيل المحكمة. قرار لبنان لا يزال مصادراً، دولة وأمناً واستراتيجياً، والعدالة الدولية ساقطة على أسوار "المقاومة".
وتعرّف عن "المجلس الوطني" مسودة أولى لنظامه الداخلي بأنه "إطار تشاوري واسع يجمع مؤمنين بـ"ثورة الأرز"، نواب 14 آذار ووزراءها الحاليين والسابقين وحلفاء لهم، إلى ممثلين لأحزاب التحالف وشخصيات مستقلة من قادة الرأي وممثلين للمجتمع المدني والمنظمات الطالبية وقوى الإنتشار، ويكون عضواً حكماً كل من شارك في مؤتمر البريستول 2011، وتكون ولاية مكتب المجلس المجلس سنتين ويضم رئيساً ونائباً للرئيس وستة أمناء سر، يجتمع المجلس كل شهر أو كل فصل، والمهمة الأساسية وضع توصيات سياسية، ويعقد مؤتمراً سنوياً يقر فيه وثيقة سياسية بالتشاور مع الأحزاب والفاعليات، وينظم أنشطة فكرية وورش عمل ويموّل نفسه ذاتياً بالإشتراكات والتبرعات. يترجم بذلك نداء ملحاً: "أيها الـ"14 آذاريون تعالوا إليّ، عودوا...".