في ظل التجاذبات السياسية القائمة وانهماك القوى السياسية الفاعلة في كيفية سد الفراغ في سدة الرئاسة الأولى يغفل عن بعض اللبنانيين وخصوصاً المسيحيون الخطر الأكبر الذي يعتريهم ألا وهو خطر اقتلاعهم من أرضهم.
المشكلة كبيرة الى حد الخطر المحدق والمسيحيون لم يدركوا بعد خطورتها حتى على صعيد كنيستهم ومؤسساتهم كافة.
ففي سنة 1943 كان المسيحيون يملكون حصّة الأسد من مساحة لبنان، أما اليوم فقد انخفضَت نسبة التملّك الى المستويات الدنيا لتصل الى اقلّ مما كانت عليه منذ 72 عامًا.
فالخطر الوجوديّ الداهم مردّه الى عوامل عدة أبرزها:
- طبيعة المسيحي "المسرف" والراغب بتطوير مستوى معيشته من دون عناء ما يدفع به الى التساهل في بيع أرضه وعدم شعوره بفظاعة ما يفعل.
- تحويل الأرض الى سلعة ما يتيح بيعها في سبيل تحقيق ربح ماديّ أو شراءها بغية اعادة بيعها.
- عدم اهتمام الكنيسة بموضوع الأراضي والعمل على تأجيرها بغية الربح المادي.
- غياب اللوبي المسيحي اللبناني المانع لبيع الأراضي، والحاضر لشراء أي أرض تطرح للبيع من قبل المسيحيين بهدف الحفاظ على الوجود.
- ترغيب المالكين المسيحيين بالأموال أضعاف أضعاف ما يطلبون.
- مشروع القانون الذي قدّمه الشهيد رفيق الحريري سنة 1997 ضمن الموازنة والذي أزال بموجبه "براءة الذمة البلدية وحق الشفعة". الأمر الذي فتح شهيّة الطامعين بأراضي المسيحيين وحوّل العديد من رؤساء البلديات وكتّاب العدل الى سماسرة.
وفي جديد الموضوع أن الفضيحة لا تقتصر على المسيحيين ذوي الدخل المحدود بل تعدّت ذلك الى بعض السياسيين وما قام به أحد نوّاب الشمال من خلال بيعه ما يزيد على أربعمئة ألف متر من بينها ارث جدّه وبسعر سبعة دولارات للمتر الواحد.
وما قام به المالكون المسيحيون الكبار في ساحل الشوف وتحويل ساحل الجبل الى مشروع توسّعي.
والغريب أن 22 عقارًا مسيحيًا بيعت سنة 2014 على الرغم من تشدد البلديات التي لا تملك الا عدم اعطاء افادة محتويات، الأمر الذي يمكن معالجته من خلال المحافظ أو القائمقام. وما تقوم به بلدية الحدث واتحاد بلديات جزين وبعض البلديات الأخرى لا يشكّل حصانة حقيقية، اذ أن تعاون هؤلاء البلديات مع قيادة حزب الله شكّل عاملاً مانعًا من قضيّة البيع المتمادية.
والمبادرات الفردية التي يقوم بها بعض أعضاء الرابطة المارونية على غرار ما حدث في منطقة الوروار-الحدث تبقى أيضا ضمن المبادرة الفردية.
المسيحيون اذا بحاجة الى تحديد قانون البيع والشراء والا هم متجهون نحو الزوال من لبنان. والمشكلة لا تنحصر فقط في الشمال والجنوب بل باتت تهدد المتن الشمالي بعد الجنوبي ففي منطقة ضهر الصوان المتنية 17 منزلاً فقط تعود لأبناء البلدة في حين أن ما تبقّى من أرض المنطقة يمتلكها خليجيون.
في المجلس النيابي اليوم أربعة اقتراحات قوانين تنتظر ايجاد حلول لمشكلة قضم أراضي المسيحيين والمشاريع كلها تنتظر التوافق السياسي: مشروع قانون النائب بطرس حرب الى جانب مشروع قانون النائب جوزف المعلوف ويهدفان الى تنظيم بيع وشراء الأراضي بين اللبنانيين، في حين أن المشروعين الآخرين للنائبين ميشال عون وسامي الجميّل يعنيان بتملّك الأجانب.
الجميع اذا بانتظار حلّ جذري لمشكلة قضم أراضي المسيحيين والمواقف المعلنة من قبل المسلمين تشدد على الرغبة في ايجاد حلول عملية يبقى أن يجد المشرّعون طريقا الى التنفيذ وقد يكون اعادة حق الشفعة وبراءة الذمة أفضل الحلول.