ان الاحوال قد تغيرت. الشرق الاوسط عل عتبة تحول هائل. هکذا يبدو من زيارة وزير الخارجية الاردني ناصر جودة الى ايران التي عمل "العرب المعتدلون" ليلاً نهارًا ضدها وعلى التخويف منها.
قام وزير الخارجة الاردني "ناصر جودة" بزيارة استثنائية الى ايران الجمعة الماضية بعد قطيعة دامت اكثر من ثماني سنوات والاهم هو انها جاءت قبيل الاتفاق النووي المحتمل بين طهران والغرب؛ الاتفاق الذي تخلص الطرفان من نقاشاته الفنية لكي يتأهلا إلى دور المرحلة الاخيرة اي المرحلة السياسية، كما اعلن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.
وتزايدت التحليلات السياسية منذ قدوم الجودة الى طهران في الاعلام العربي والايراني ومنها ما تناولت وقت الزيارة كونها تأتي بالتزامن مع اعلان الانتهاء من النقاشات الفنية النووية في مونترو ومنها ما اشارت الى قطيعة العلاقات الايرانية الاردنية منذ ثماني سنوات.
"لا يخفى على احد ان الاردن بلد قريب جدا من اسرائيل وكذلك مكشوف، خصوصاً ان التنسيق الامني والسياسي والعسكري لا ينقطع بين عمان وتل أبيب ولو للحظة واحدة". هكذا يقول مصدر ايراني عليم وقريب من دوائر صنع القرار في طهران، ويضيف ان "نقل رسالة طمأنة اسرائيلية" الى طهران هو اهم جانب من جوانب مهمة ناصر جودة في ايران.
وأشار المصدر إلى ان عملية "مثلث الجنوب" في سوريا والتي تشارك فيها ثلاثية ايران وسوريا وحزب الله، اقلقت الجانب الاسرائيلي كل القلق حيث بددت آمال الكيان الاسرائيلي في انشاء شريط امني حائل بينها وبين سوريا عبر مسلحي "النصرة" بعد عمليتين ناجحتين بالقنيطرة ودرعا وريف دمشق فيما تستمر العمليات هناك.
وجاء ناصر جودة الى طهران ليعبرعن قلق بلاده ازاء كارثة امنية قد تنزل على عمان بُعيد هزيمة المسلحين القريبة في الجنوب السوري وعودتهم الى الحدود الاردنية، كما جاء لاتفاق مسبق مع ايران نابة عن "العرب المعتدلين"، بعد ان ادرك جيدا ان ايران اتفقت مع الولايات المتحدة نوويا وبات الاتفاق بحكم المبرم وبقي الاتفاق السياسي الذي تخشاه دول اقليمية بقيادة سعودية الا ان المهمة الرئيسة تتمثل في نقل رسالة اسرائيلية تقول انها لا تريد أن ترى "حزب الله" على حدودها الشمالية وتحديدا في الجولان والقنيطرة وفي المقابل تعطي ضمانات لطمأنة محور الممانعة والمقاومة بشأن الجولان والقنيطرة كما قامت تل أبيب فورا بتقديم الاعتذار بعد اقدامها على اغتيال العسكري الايراني حينما اعلنت على لسان مصدر امني في حديث لرويترز على انها (اي تل أبيب) لم تكن على علم بوجود جنرال ايراني في سيارة استهدفتها طائرة اسرائيلية في القنيطرة.
وفي جانب آخر، يقول المصدر ان الحكومة الاردنية ليست الا شركة سمسرة تقوم بدورها الطبيعي وزيارة جودة لطهران تندرج في هذا الإطار لان المنطقة تقف على اعتاب تحول جذري والتحرك السمسري لمثل هذه الشركة في مثل هذا الوقت يبدو ضروريا. والجانب الاكبر في هذا التحول يتمثل في تمدد النفوذ الايراني في المنطقة والذي يتعاظم يوميا في العراق عبرعمليات الجيش العراقي والحشد الشعبي ضد "داعش" في صلاح الدين ليشمل جنوب سوريا عبر عملية "مثلث جنوب" حتى يصل الى شمال وشرق الأردن، ثم إلى صنعاء اليمن من الجهة الجنوبية، بل وإلى بعض الفصائل الفلسطينية في غزة من جهة الغرب وقد يطرق أبوابا أخرى بعد الاتفاق النووي القريب.
يضاف الى ذلك تواجد "حزب الله" على الحدود الاردنية الشمالية من الان فصاعدا وهذا بمثابة كبح الجماح الاردني التجسسي في لبنان ضد "حزب الله" كما يشير المصدر مضيفا ان "الاردن ستحسب حسابه الف مرة من الان فصاعدا، قبل ان يرسل عيونه الى الداخل اللبناني للتجسس على "حزب الله" لانها تدرك ان اي خطأ بهذا المجال بمثابة كارثة وسوف يورط الاردن في مأزق الشمال.
ويستدرك المصدر ان الجميع يعلم ان النشاط التجسسي العربي في لبنان ضد "حزب الله" هو بغالبيته التجسس الاردني.
وينكشف -حسب ما تقدم- سر دعوة الوزير الخارجية الاردني في قلب طهران عندما دعا الى حوار عربي-ايراني. وتشك المصادر الايرانية في ان تكون هذه المبادرة برغبة "المحور العربي المعتدل" الا انها تقول ان هذه المبادرة حتى اذا كانت من بنات افكار الجودة والحكومة الاردنية تثبت ان الحكومة في عمان تجيد دورها السمسري وتدرك أهمية الوقت عندما تقوم هذه المرة بدور عراب صفقة عربية-ايرانية مسبقة في ظل صفقة أميركية-ايرانية مرتقبة وتسعى في هذا الطريق لجر حلفائها الخليجيين الى سياسة جديدة لا تنظر الى ايران كعدو يجب مواجهته بل كعدو يجب الاعتراف بنفوذه ويجب التعامل معه كما فعلت وتفعل الحكومة الاميركية بعد عقود من الحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري ضد طهران والذي لم يجلب سوى سيطرة متزايدة على نصف الدول العربية علاوة على التحالف القوي مع روسيا والصين ودول عدم الانحياز والدول اللاتينية.