تحضيرًا لعيدِ الفصحِ أو ما يُعرَف شعبيًّا بالعيدِ الكبير، تدعونا الكنيسة لعيشِ فترةِ صومٍ نترفّع في خلالها عن الغِذاءِ الجسدي والملّذاتِ الأرضية لنصبّ اهتمامنا على الغِذاءِ الرّوحي. تُختَصَر مرحلة الصّوم الممتدّة من "عرس قانا الجليل" الى "عرس بالشّعانين"، بثلاثة أحرُفِ "ص": صوم، صلاة وصَدَقة. الصّومُ للسّاعةِ الثّانيةَ عشر ظُهرًا ليسَ صومًا عن الأكل فقط، بل هو الإمتناعِ عن تناولِ الطّعام من أجلِ ترويضِ الذّات على التّخلّي عن الأمور الماديّة ومن اجلِ الإعترافِ لله أنّه واهب الحياة والمحافظ عليها تَيَمُّنا بيسوع المسيح الذي رفض الرّكوع لإبليس والإستسلام لإِغراءاته علنًا ومردِّدًا مع شعب العهدِ القديم "للرّبِ تسجد وإيّاهُ وحده تعبد (متى 4/10). لا معنى للصّومِ بدونِ صلاة.
الصّلاةُ هي الصّلة التّي من خلالها يتواصلُ الإنسان مع الله وما الصّوم إلاّ دعوة للتّأمُلِ والصّلاة والعودة إلى الذات. الصّومُ عن "الكلام" يجعلنا نسمع لكلام الله ولإِهتماماتِ الرّوح القدس. إنطلاقًا من كلام يسوع وليس بالخبزِ وحدَهُ يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فَمِ الله" (متى 4/4) تاتي أهمية قراءة الكتاب المقدّس بعهديهِ القديم والجديد والتّأمل بكلمة الله المُحيِيَة. يركّز الكتاب المقدّس على أهمّية الصدقة التّي ترافق الصوم. وهي ليست دائمًا ماديّة فبإمكانها أنَ تكون إجتماعيّة وروحيّة ونفسيّة. مُجتَمَعُنَا مليئٌ اليومَ بالأشخاصِ المحتاجين إلى عَطفِنَا وحنانِنَا وحضورِنَا. أين نحنُ اليّومَ من حنانِ السّامرِي الصالحِ الذّي انحنى على الرّجُلِ المجروح؟ هل نعرف كيف نَعطِفُ على المرضى والمسنّين والأطفال أمَ فُقِدَ مِعنى الحنان؟ هذا هو الصّومُ الذّي يُرِيدُه الآب! صَوم من يَهتّمُ بحياةِ أخيه ولا "يتوارى عن لحمه" كما يقول النّبي أشعيا. دعونَا نصومُ هذِهِ السنّة صومًا ممّيزًا. دعُونَا نصُومُ عن الطعامِ ونتغذّى من كلامِ الرّب. دعونَا نصُومُ عن الشرّبِ لنرويَ ظَمأنَا من ماءِ الحياة. دعونا نَحرُمُ أجسادُنا لنخضع أنفُسُنا للرّوح. دعونا نُبحِرُ في بحرِ الصّومِ راكبينَ سويًّا سفينةَ الكنيّسة لنصلَ جميعًا في ختامِ هذا الزمنِ المُبارَكِ إلى شاطئ الأمانِ فنحتفلَ بِعُرسِ القيامَةِ الأبدّي. دعونَا نصومُ فبالصّومِ يُفتَحُ بابَ السماء.