درج كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على وصف اجتماعيهما الاخيرين برئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون بـ"الايجابي"، وإن لم يتفقا في مواضيع عدة مع المرشح الابرز لرئاسة الجمهورية. ولم يخرج من لسان جنبلاط بعد استقباله عون في كليمنصو اول من امس اكثر من تعليق ان "اللقاء جدي". وعند إلحاح "النهار" عليه بالسؤال للحصول على معلومات اكثر، أضاف إلى جوابه المقتضب كلمة "ودي". واتبعه بضحكة اعادته الى سنين خلت وذكّرته باجتماعات قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ايام الاتحاد السوفياتي السابق، عندما كانت تخرج صحيفة "البرافدا" في اليوم التالي بمانشيت "اجتماعات جدية"، وكانت نهايتها عند رفاق جنبلاط انهيار امبراطوريتهم وتفتت حلف فرصوفيا.
وكان عون قد اخبر بري انه سيزور جنبلاط بعد زيارة الى "بيت الوسط" ولقائه الرئيس سعد الحريري اثناء محطته الاخيرة في بيروت. ومن يدقق في سياسة عون في الاشهر الاخيرة، يلمس ان الرجل وضع خطة تقوم على المبادرة حيال مختلف الافرقاء للقاء اقطاب في حجم بري والحريري وجنبلاط، رغم الخلافات الجوهرية التي طبعت علاقاته مع هؤلاء وان كانت لا تخرج الى السطح لاعتبارات تخص كل واحد منهم، مع ملاحظة ارتفاع منسوب الثقة بين الجنرال والحريري، الامر الذي لم يسقط بردا وسلاما على منافسي عون وخصومه في الشارع المسيحي.
وكان لافتا ايضا ان عون ينطلق من جملة عوامل يعمل على "تسييلها" على امل ان تساعده على الوصول الى قصر بعبدا وتحقيق حلمه الذي راوده منذ اواخر الثمانينات من القرن الفائت، وتذكير من يهمه الامر في الوسط السياسي بأنه يملك زمام المبادرة في هذا التوقيت، وانه يشكل من خلال حركته وزياراته هذه حجر الرحى في الملف الرئاسي تحسباً لأي اتصالات في الكواليس، داخلية أو تصدر خارجية، وان لا افق لها ما دام هو من يملك مفتاح الانتخابات التي تؤدي الى ايصال رئيس الى قصر بعبدا.
وقد أبلغ عون من التقاهم مباشرة انه غير معني بأي تمديد للقيادات العسكرية في الجيش وقوى الامن الداخلي. ويقود هذا الامر الى طرح سؤال من نوع: هل يرمي عون من خلال خطته هذه الى مقايضة ام انه يلعب على حافة الهاوية؟ ويبقى القصد من حركته انه ليس معزولا سياسياً، بل يزور ويزار ويتواصل مع مروحة من الافرقاء من حارة حريك الى معراب وما بينهما. ويحاور في الوقت نفسه مسيحيي 14 آذار من خلال حزبي "القوات اللبنانية" والكتائب.
وتقول جهات في 8 آذار إن "الكلام الناعم" الذي سمعه عون من الحريري دفع الاول الى "الاستبسال" اكثر في سبيل هدف الوصول الى قصر بعبدا والعمل على انتخابه رئيساً للجمهورية، مع العلم ان جنبلاط لم يجار الحريري في هذه "المغازلة" وفي الاسلوب الذي اتبعه، واستمر متمسكاً بمرشحه النائب هنري حلو تفادياً لأي إحراج.
وإلى الملف الرئاسي، ثمة موضوع يشغل عون وجنبلاط وهو اجراء انتخابات نيابية فرعية في جزين والشوف مع سعي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الى تأجيلها قدر الامكان. وسيدفع هذا الامر النائب سليمان فرنجيه الى تقديم استقالته في قضاء زغرتا ليعبّد الطريق النيابية امام نجله طوني الى ساحة النجمة. ويعمل المشنوق بالتعاون مع بري على الطلب من جنبلاط تأجيل هذه الانتخابات، اقله الى حزيران المقبل، في حال اصراره على الاستقالة. ويهدف المشنوق الى ابعاد "الكأس الانتخابية" منعا لتلقي اي ردود واسئلة من نوع "من يجري انتخابات في ثلاثة اقضية يمكنه اجراؤها في كل لبنان"، علما ان هذه المسؤولية يتحملها مختلف الافرقاء الذين ساروا بالتمديد وارتدوا قميصه ما عدا "التيار الوطني الحر". ويبقى الملف الرئاسي الذي يشغل بال عون ليل نهار في صدارة اولوياته اكثر من تسمية مرشح ليحل محل النائب الراحل ميشال حلو في جزين. ويعطي عون اولوية ايضاً لموضوع معارضته التمديد لقادة الاجهزة الامنية وقطع طريق هذا القطار امام قائد الجيش العماد جان قهوجي وسعيه ليحل مكانه في هذا المنصب صهره العميد الركن شامل روكز.
وردا على منتقدي عون انه يعمل على تعيين روكز على رأس قيادة المؤسسة العسكرية، وتذكيره بخوضه معارك ايصال صهره الوزير جبران باسيل وتعيينه في الحكومات الاخيرة، فإن مشروع التوريث ليس حكرا على عون. ولماذا لا يُنظر الى تيمور جنبلاط وطوني فرنجيه وآل الجميل؟ ذلك ان ما هو حاصل ليس ثقافة سياسية عونية بل لبنانية يدافع ويعمل اكثر من فريق على احيائها واستمرارها.