بعد اول موجة ترحيل للبنانيين في دولة الامارات العربية المتحدة عام 2009، فعلتها مجددا ورحّلت حوالي 70 لبنانيا مبررة هذا الاجراء بدواعٍ امنية تتصل بامنها القومي، وقد تلقى المجتمع اللبناني هذه الصدمة الاجتماعية بـ"اسف" شديد خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي المزري الذي يشهده لبنان بحيث ان المغتربين يلعبون دورا مهما في انعاش الاقتصاد اللبناني.
وإذا كان الكثيرون قد عزوا سبب الترحيل لاسباب سياسية هدفها التضييق على جمهور "حزب الله"، اقتصاديا ومعنويا، على اعتبار ان تطورات المنطقة وصراعاتها تسير في هذا الاتجاه، فإنّ هذه القضية الإنسانية سُيّست سريعًا في الداخل اللبناني، فقرأها كلّ فريق على طريقته، وبما يخدم أجندته السياسية.
هكذا، أصرّت قوى الرابع عشر من آذار على وضع هذه الخطوة في إطار "أمني بحت"، كما تؤكد مصادر لـ"النشرة"، مستغربة الاتهامات التي وُجّهت للحكومة ورئيسها تمام سلام بالتقصير في متابعتها، لافتة إلى أنّ الأخير اجتمع فور اعلان خبر الترحيل مع نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم، على هامش مشاركته في "مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري" في شرم الشيخ، وتم التأكيد حينها على ان هذا الاجراء يعود الى اعتبارات امنية محددة ولا تتخطى هذه الحدود.
وبرأي هذه المصادر، فإنّ المسؤولية تقع على عاتق وزارة الخارجية بمتابعة هذه القضية، متمنية على جميع الافرقاء وخاصة "حزب الله" عدم مهاجمة دول الخليج، حيث هناك جاليات لبنانية كبيرة تعيش بهذه الدول وتساهم باستقرار الاقتصاد من خلال التحويلات المالية التي يرسلونها لذويهم، معتبرة انه لم يكن هناك داع للهجوم على البحرين مثلاً دون الاخذ بعين الاعتبار وجود لبنانيين يعتاشون من خيرات دول الخليج، وتقول: "الخليج لديه ايادٍ بيضاء تجاه لبنان واللبنانيين فلماذا نهاجمه؟".
وتشدّد المصادر على ضرورة الحفاظ على العلاقات "الاخوية" مع الدول الخليجية، والتوقف عن التدخل في شؤونها الخاصة والكف عن مهاجمتها، لاهمية هذا الامر على العلاقات الثنائية مع هذه الدول والحفاظ على اوضاع المغتربين في الدول الخليجية.
في المقابل، فإنّ قوى "8 آذار" لا تقرأ هذا "العقاب الجماعي" ضدّ اللبنانيين إلا من زاوية سياسية، وتشير مصادر مقرّبة من هذه القوى إلى أنّها تركت أمر متابعة القضية للدولة اللبنانية، لافتة إلى أنّ "هناك دولة تتحمل مسؤوليتها تجاه هذا الموضوع من خلال وزارة الخارجية"، مشيرة الى أنّ اتصالاتٍ جرت بين الدولة اللبنانية والدولة الاماراتية بهدف التوصل الى معالجة معينة للقضية.
وتؤكد المصادر ان "حزب الله يحاول ان يكون له افضل العلاقات مع دول المنطقة كافة"، مشيرة الى ان "هناك خلافات واضحة بين حزب الله وبعض الدول الخليجية في موضوع البحرين"، معتبرة ان "موقف حزب الله من موضوع البحرين يجب ان يحترم لانه يقع في سياق الرأي السياسي كما لبعض هذه الدول رأيها السياسي من مواضيع مختلفة فلا يجب ان يكون هناك داعٍ للتعامل بحساسية مع مواقف حزب الله السياسية، وادخال المغتربين اللبنانيين بالامور المتعلقة بالسياسة حيث لا ذنب لهم بكل ذلك".
وترى المصادر ان "الاضرار الاقتصادية تقتصر على اوضاع المرحّلين فقط وليس على الاقتصاد اللبناني"، موضحة ان "عدد هؤلاء يمكن استيعابه وليس من شأنه ان يخلق ازمة تؤثر على الاقتصاد اللبناني".
ولكن مهما كانت اسباب هذا الترحيل ومهما كانت طائفة المرحّلين، فانه من غير المنطقي ان تقدم دولة عربية على الاقتصاص او الضغط على حزب لبناني من خلال الترحيل الجماعي للبنانيين يعيشون على اراضيها ويشكلون نواة عمل ادت الى بنائها وانعاشها في السابق وحتى اليوم، وعلى الدولة ان تكثف جهدها بهذا الاطار في محاولة لاعادتهم الى اعمالهم وارزاقهم، بالاضافة الى حماية من بقي من المغتربين في دولة الامارات، فهذا الترحيل يشكل عبئا اجتماعيا واقتصاديا قد يصل الى حد الكارثة في ظل الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها لبنان.