وقت تعجّ وسائل الاعلام بأخبار الفساد الذي تتغلغل اصابع "اخطبوطه" في اكثر من قطاع، تعمل النيابة العامة المالية بعيداً من كل هذا الضجيج، بعدما استفاض وزيرا الصحة وائل ابو فاعور والمال علي حسن خليل في الاشهر الاخيرة في الحديث عن فضائح وشريط طويل من اعمال التزوير والتجاوزات التي يمارسها عدد كبير من اصحاب رؤوس الاموال والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والاستشفائية. ولم تسلم من هذه التعديات لقمة عيش اللبنانيين ولا ادوية اطفالهم وحاجاتهم. وتتركز التحقيقات على "لصوص العقارات" التي نجح افرادها في الاستيلاء على مساحات كبيرة من مشاعات الدولة واملاكها ووصلت الايدي الطويلة لهؤلاء الى املاك خاصة وعملت على مصادرتها. ولم يسلم البحر قبل اليابسة من هذه المجموعات.
يتابع النائب العام المالي القاضي علي ابرهيم هذا الكم من الملفات. ويحضر كعادته قبل الثامنة صباحاً الى مكتبه، حيث تنتظره على طاولة مكتبه المئات من الملفات والقضايا والمراجعات التي يفيد مضمونها عن تجاوزات وسرقات في اكثر من قطاع ومؤسسة رسمية ولا تنتهي عند "مغارة" الجمارك، من دون ان يعمم الرجل توصيف السرقة والحصول على الرشى والمساعدة في التهرب من دفع الضرائب والتلاعب بالارقام، وان ثمة عناصر"نظيفة الكف" تعمل لدى هذه المؤسسة التي يوليها ابرهيم عناية خاصة وتصل الى حد صدارة متابعاته وتحقيقاته اليومية. وقد احيل عليه قبل ايام موظف في الجمارك، ولمس ابرهيم "بأم العين" ان هذا الشخص بريء من كل ما ورد من اتهامات وجهت اليه والتي دبرها زملاء له ينشطون على خط السرقة والتجاوزات للحصول على اموال غير مشروعة، ويهدفون الى توريط هذا الموظف بغية ادخاله الى هذا "النادي".
واثر هذه الواقعة وسواها،يرفض ابرهيم التعميم على الموظفين في مديرية الجمارك التي تحتاج الى مزيد من التنظيم لحفظ المال العام وعدم خسارة الخزينة للمليارات شهرياً. وثمة تعاون وضعت قواعده اخيراً بين الوزير خليل ورئيس المجلس الاعلى للجمارك العميد نزار خليل وابرهيم الذي يعاونه سبعة قضاة من الاسماء المشهود لها وتعاونهم مجموعة من الموظفين ويعملون معاً بأسلوب ابرهيم و"عقليته". ولا ينفي ان "الجمارك بدها شغل كبير".
وثمة سؤال يطرح: هل في استطاعة النيابة المالية مواكبة كل هذه الملفات، وخصوصاً ان عدداً منها يتداول وتتناقله وسائل الاعلام ويتم التطرق الى اسم ابرهيم وهو لم يكن قد اطلع على تفاصيل مضمونها بعد؟
وعلمت "النهار" ان ابرهيم تلقى 3 آلاف ملف في العام الفائت ووصله في الاشهر الثلاثة الاخيرة 4 آلاف ملف. وتستنفر النيابة العامة المالية في درسها والتحقيق فيها. ولا يحبذ ابرهيم التسليط الاعلامي على المهمات التي تقوم بها النيابة انطلاقا من قاعدة السرية التي يعالج بها هذا "الجبل" من الملفات. ويردد الجملة الآتية: "اذا استمررنا على هذا المنوال من العمل سنعيد الى خزينة الدولة هذه السنة 20 مليار ليرة".
ويتلقى ابرهيم اتصالات من جهات سياسية في قوى 8 و14 آذار ومن خارجهما، تتدخل في التوسط لصاحب احد الملفات و"التخفيف"عنه ومساعدته، ولا يكتفي البعض باتصال التوصية هذا بل بالتطرق الى مضمون كل ورقة من هذه القضية التي تطاول مؤسسات كبيرة او اسماء متهمة بالاعتداء على املاك الدولة او مساعدة متهمين بقبض الرشى.
ويرد ابرهيم هنا على الجميع "ان شاء الله خير".
امام النيابة العامة المالية مشوار طويل وشاق غوصاً في مغاور الفساد والتهرب من دفع الضرائب والرسوم، في جمهورية انهكها سرطان الفساد. فهل يتمكن قضاة هذه النيابة من القضاء على هذا "الاخطبوط" او على الاقل بتر أذرعه؟