حظي اليوم الثاني من الحملة السعودية ضد خطر تمدد الحوثيين في اليمن بفرصة الخروج من وقع المفاجأة الذي شكله العمل العسكري في حد ذاته كما طبيعة التحالف الاسلامي العريض والواسع بقيادة المملكة العربية السعودية. ومع ان تكهنات سياسية كثيرة كانت ذهبت في اتجاه استحالة السماح للحوثيين او لايران عبرهم بالتمدد والسيطرة على باب المندب الاستراتيجي او تطويق المملكة السعودية ايا يكن الثمن، الا ان باب المفاجآت فتح على جملة امور. اذ لم يخرج تولي المملكة قيادة تحالف عسكري عريض من دول المنطقة الاسلامية لمرة اولى في تاريخها الى العلن قدرة الدول العربية الاسلامية على ان تكون متضامنة حول هدف واحد محدد فحسب بل هو كرس زعامة المملكة للعالم الاسلامي وقيادته في هذا الظرف الدقيق على نحو ساهم في تقوية موقعها واوراقها على نحو لا سابق له وعلى نحو يفترض ان يحسب له حسابات في اتجاهات متعددة من بينها في الدرجة الاولى قدرة هذه الدول على تولي معالجة الكثير من القضايا والمسائل الشائكة في المنطقة في حال كانت هذه الدول على رأي واحد موحد من هذه القضايا. يصح ذلك في رأي المراقبين على ازمات معقدة كتلك التي تصيب عددا من دول المنطقة كما يصح على قدرة هذه الدول على ان تتولى بنفسها معالجة الملف الشائك المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية. فتحالف الدول الاسلامية بغرض اعادة الشرعية الى اليمن ومنع سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن تفسح في المجال امام تأكيد شرعية تمثيلها وحدها رسميا وشرعيا للشعوب الاسلامية من منطلق توليها الدفاع بنفسها عن حقوق الطوائف الاسلامية بحيث تقفل الابواب امام توظيف تنظيم الدولة الاسلامية او تنظيم القاعدة للتمدد الشيعي في المنطقة من اجل مواجهته. يضاف الى ذلك ان الفرصة التي اتيحت عبر هذا التحالف الكبير انما تفسح في المجال امام الدول العربية المعنية للتعاطي مع ملفات المنطقة من موقع قوة والتفاوض على هذا الاساس.
واكتسبت الحملة العسكرية بقيادة المملكة السعودية اهميتها او ابعادها الحقيقية اولا من الدعم كما من التفهم الاميركي والاوروبي الذي لقيته الحملة وكذلك الدافع السعودي او الخليجي وراءها مما احرج في المقابل ايران ووضعها في موقع صعب خصوصا انه قد تمت تسميتها بالاسم مرارا في هذا السياق باعتبار ان الشرعية اليمنية التي تسعى المملكة الى استعادتها هي الشرعية المعترف بها دوليا. الامر الذي يضيق هامش الردود الايرانية الميدانية لهذا الاعتبار كما لاعتبار احتمال تعريض المفاوضات حول النووي لخطر افشالها او نقل ايران من مأزق العقوبات التي تسعى بقوة الى التخلص منها الى مأزق حرب مع مجموعة من الدول الاسلامية السنية ما يفتح حربا مذهبية ابدية في المنطقة. وثانيا من كونها حملة منسقة ومنظمة من خارج الاستعانة او الاعتماد على قيادة الولايات المتحدة لهذا التحالف وفي وقت كانت سحبت الولايات المتحدة كل عناصرها من اليمن وذلك على عكس ما كان يحصل من تحديات خطيرة في المنطقة كانت تلعب واشنطن فيها دورا طليعيا وقائدا وآخرها كان التحالف التي لا تزال الولايات المتحدة تقوده ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. ومع ان الولايات المتحدة تحدثت عن تنسيق تقني مع المملكة السعودية فان واشنطن في المقابل تساعد القوات والميليشيات العراقية بعمليات عسكرية جوية في تكريت. الامر الذي ينزع عصبا من المنطق الايراني المستخدم في حالات مماثلة ويضع ايران وجها لوجه في صراع مذهبي مباشر مع الدول السنية في المنطقة.
ولعل اقدام التحالف العربي على المبادرة في اتجاه اليمن يسمح بالتعويل بقوة على اتجاهات متعددة اولها يكمن في التمتع بموقع افضلي ومميز يسمح بالحوار في ملفات المنطقة ومن هنا اهمية ان تفتح تطورات اليمن الباب على ذلك انطلاقا من ان الحملة العسكرية على الحوثيين في اليمن انما تهدف الى اعادة الاوضاع الى احجامها وتاليا اعادة جمع الافرقاء الى طاولة الحوار بعيدا من المطامع والنزعات السلطوية. وثانيا الاستفادة من المروحة الواسعة من الدول المشاركة او الداعمة من اجل توجيه رسالة قوية عن القدرة على تولي معالجة بعض الامور المهمة كمواجهة تنظيم داعش او تنظيم القاعدة في ظل ظروف سياسية مختلفة عن تلك التي يتفاعل من ضمنها التنظيمان في بعض الدول. وثالثا مع ان التحالف الاسلامي الواسع لا يشي بالتقائه على ما هو ابعد من اليمن اي لا يصل الى العراق وسوريا او سواهما نتيجة اعتبارات متعددة، الا انه يشي في مكان ما بالرغبة في وضع حد لطموحات ايران في المنطقة. وهذه نقطة اخرى جامعة لعلها الاكثر تأثيرا على ايران في عز سعيها الى الخروج بمكسب في الاتفاق على ملفها النووي والذي يفترض انه سيتوج سلسلة مكاسبها في ما فاخر مسؤولوها بانه سيطرة على اربع عواصم عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هناك حسابات جديدة مختلفة في المنطقة لا يمكن القفز فوقها ويترتب على لاعبين اقليميين كثر اخذها في الاعتبار في ضوء التطورات الاخيرة انطلاقا من اليمن خصوصا اذا انتهت الحملة العسكرية بسرعة وحققت الغرض منها في رأي المراقبين.