يتقن حزب الله فن الصمت. يكتفي بمواقف أمينه العام السيد حسن نصرالله. ويعطي قياداته ووزراءه ونوابه هامشاً مضبوطاً لشرح هذه المواقف في مجالس التأبين الأسبوعية في قراهم بما لا يجرّ الى مناكفات إعلامية. ولكن، يغادر الحزب التزامه هذا عندما يتجاوز الخصوم الخطوط الحمر، الى حدّ «الدقّ» بالمحرّمات او الشعور بانخراط هؤلاء في «لعبة كبيرة».
هذا ما حصل، مثلاً، يوم ردّ ببيان ناري عام 2006 على وصف النائب وليد جنبلاط سلاح المقاومة بـ «سلاح الغدر» فاعتبر أنه «لو تجسد الغدر في شخص لكان اسمه وليد جنبلاط»، كما في الردّ على «ساكن قصر بعبدا» السابق ميشال سليمان عندما وصف معادلة الجيش والشعب والمقاومة بـ «المعادلة الخشبية». وهو ما حصل في اليومين الماضيين بإطلاق الحزب «صلية» بيانات غير معهودة: تجاوز رئيس الحكومة تمام سلام مجلس الوزراء بموقفه في القمة العربية فكان بيان الوزير حسين الحاج حسن؛ وتجاوز السفير السعودي علي عواض العسيري اللياقات الدبلوماسية الى حدود «قلّة الأدب» فكان بيان النائب حسن فضل الله؛ وتجاوزت الحملة الاعلامية حدود الردّ على ما ورد في خطاب نصرالله فكان رد مسؤول العلاقات الاعلامية في الحزب محمد عفيف.
البيانات الثلاثة جاءت على خلفية العدوان السعودي على اليمن، وبعد «الانتشاء» الـ 14 آذاري بـ «المرجلة» السعودية المستجدّة، وانخراط هذا الفريق في حملة شعواء لأبلسة الحزب وإلباسه اللبوس المذهبي، بما يعيد الى الأذهان الحملة الأميركية التي أقر السفير السابق في بيروت جيفري فيلتمان بأن بلاده أنفقت خلالها نصف مليار دولار لتشوية صورة المقاومة.
علماً أن الرياض التي تقود الحملة الحالية ليست أقل سخاء من واشنطن، وقد كانت لافتة حمولة سفيرها من «الحقائب الصغيرة» لدى عودته من بلاده غداة خطاب نصرالله. وهي دشّنت حملتها بقرار مجلس حقوق الانسان في جنيف إدانة «انتهاك حزب الله حقوق الانسان في سوريا»، وجنّدت لها كل «أدواتها» الاعلامية والسياسية التي غرقت في حفلة شتائم وتصوير الصراع في اليمن على انه بين فرس وعرب، وكأن الأتراك والباكستانيين عرب أقحاح، أو تصويره صراعاً سنياً ــــ شيعياً مع أن غالبية اليمنيين ليسوا شيعة ولا عُرف عن فنزويلا، مثلاً، اعتناقها المذهب الاثني عشري!
ولأن ما يجري في اليمن «ليس امرًا عاديًّا وبسيطًا» كما قال النائب حسن فضل الله أمس، و»لأن هذا الاستهداف لا يمكن السكوت عنه مهما كانت الحروب النفسية والسياسيَّة والاعلاميَّة التي تعودنا على مواجهتها»، ولأن كل الردود تعامت عن دعوة السيد نصرالله اليمنيين الى الحوار، كان لا بد من الخروج المحسوب عن الصمت، خصوصاً ان «المطبّلين» للسعودية في لبنان وغيره بدوا وكأنهم صدّقوا ما روّجوا له عن توتر الحزب وقلقه من «البعبع» السعودي الذي لن يكون في أي حال أكثر سطوة من «البعبع» الاسرائيلي، وللقول للجميع: على رسلكم... فالأمور بخواتيمها.