معاناة البشريَّة، منذ وجودها، أنَّها أسلمت ربَّها الى الموت، وأسلمت ذاتها الى العذاب. عذاب الضمير والمصير.
لقد تمثَّل هذا الواقع بالرواية التي أُقيمت بين يسوع ويهوذا الاسخروطي على مرحلتين. الأولى عندما أسلم يهوذا فكره، وباع ضميره إلى سيّد الظلمة، إبليس، بعد "اللقمة" في العشاء الأخير مع يسوع والتلاميذ. فلم يعد يرى من حقيقة سوى مصلحته الخاصة: أنكر النِعمَ، خان عهد الحبِّ، رفض الأخوَّة، فضَّل المال على الإنسان. ولا مكان للتوبة. والثانية في بستان الزيتون، من خلال "قبلة": حيث تغلَّبت قساوة قلبه على رحمة الخالق، وأعمى الحسد عينيه على صداقة رفاق الدرب، فوقع في شرك القتلى-ولو من غير قصد.
وفي الحالتين كانت الشفتان هما العلَّة. وما الشفاه سوى باب القلب والفكر. فمن الفم يأتي الصلاح والطلاح.
ألسنا اليوم نعيد نفس الرواية، رواية الخيانة والغدر؟ أما زال إنسان اليوم يُسلم ربَّه إلى الموت؟ يريد أن يمحي ذكراه. صوت الربِّ، في الضمير لا ينفكُّ يؤنِّب الانسان على شروره والانسان يصمُّ السمع.
لا زال حتى يومنا يذهب البريء ضحيَّة صراع الانسان الخائن مع ربِّه. نعم الصراع هو صراع الانسان مع خالقه. هو صراع المراكز. فالإنسان لن يعرف البتة حدوده أو محدوديَّته، فيتطاول على موقع الله، لختلس من الألوهة. والشرير ما انفكَّ يُحرِّض ابن آدم على خالقه، فيغريه في الوصول الى شجرة معرفة الخير والشرِّ بقواه، كي يصبح مثله زيمتلك كلَّ شيء عنوة.
انطلاقاً من هذه الحال وهذه الخُلقيَّة، نجد أنَّ البشريَّة ليست فقط في أسبوع الآلام، إنَّما الحياة قد غدت مؤلمة. بيد أنَّ يسوع المسيح، الرب الفادي، يُطعمنا لقمة الخيرات والبركات كي يُشبه فينا النهم والجوع إلى شهوات هذا العالم الفاني، ولا يزال يُعطينا قبلة الحب التي تشفي فينا قبلة الغدر والتسليم والقتل.
فلنتصالح مع الرب، في نفوسنا، فيصالحنا الرب مع بعضنا ومع خالقنا.
راهب ماروني مريمي