يعتبر فصل الربيع نعمة على كثيرين، ونقمة على عدد من الناس، فهو رغم روعته يُشعِر الكثير من الأشخاص في مختلف انحاء العالم ومنها لبنان بالقلق، وخاصة اولئك الذين يصابون بالحساسية الموسمية خلاله، او ما يسمى بـ"حساسية الربيع"، التي تبلغ ذروتها خلال شهر نيسان.
أحد أمراض العصر
تعتبر حساسية الربيع احد امراض العصر التي انتشرت خلال الاونة الاخيرة، كما يقول الدكتور يعقوب خضر في حديث لـ"النشرة"، موضحًا أنّها عبارة عن رد فعل جهاز المناعة لمواد طبيعية في البيئة تحدث خلال فصل الربيع، "حيث تبلغ عملية تلقيح الأشجار والنباتات والزهور أوج نشاطها، فتنتقل حبوب اللقاح عبر الهواء لمسافات كبيرة، محدثة هذا التفاعل بينها وبين بعض أعضاء جسم الإنسان".
ويشدّد خضر على ضرورة استشارة اختصاصي في أمراض الحساسيّة الذي سيطلب من المريض الخضوع لفحص دم وفحص للجلد، لتحديد أيّ نوع من اللقاح والغبار يسبّب له الحساسيّة، وعلى أساسه يتمّ وصف العلاج والدواء المناسبين للحالة التي يمرّ بها، كما يجب النظر في تاريخ المرض لدى الشخص، والتأكد عند التشخيص من عدم الخلط بين الحساسية الموسمية والإلتهابات الفيروسية، حيث تستمر الالتهابات الفيروسية أسبوعين فقط، أما الحساسية الموسمية فعادة ما تستمر بين شهر أو شهرين، ويتدخل فيها عامل الوراثة بشكل كبير.
فقدان شهية وكآبة؟!
ولجهة العوارض، يوضح خضر انها تتراوح بين الخفيفة جدا أو المزعجة والحادة، حيث يثير تطاير حبوب اللقاح تجاويف وأغشية الأنف والمجاري التنفسية، فيصاب الشخص بانسداد الأنف، كما يواجه عدداً من العوارض التي قد تبدأ فجأة أو تتطوّر بحسب التعرّض "للطلع"، وتشمل العطس وسيلان الأنف ودمع العينين وحكّ الحلق وسقف الفم، ومع تقدّم العوارض وسيلان الأنف لفترة طويلة من الزمن، يصبح الجلد أحمر اللون ومتهيّجاً، ويمكن لبطانة الأنف أن تتورّم، وبما أن حساسيّة الربيع قد تؤدي إلى تزايد السوائل في الأنسجة الأنفية والأوعية الدموية، يمكنها إذاً أن تخلق احتقاناً خطيراً أو تشكّل ضغطاً في تجاويف الجيوب الأنفيّة، لتزيد بذلك من فرَص الإصابة بما يُعرف بصداع الجيوب الأنفيّة.
ويلفت خضر الى انه يمكن لحساسيّة الربيع أن تسبّب حكّة شديدة في العينين مع احمرارهما وتورّمهما عند بعض الأشخاص، كذلك يمكن للبعض أن يفقدوا الشهيّة على الأكل ويشعروا بالكآبة ويعانوا اضطرابات في النوم، ومن دون أدنى شكّ، فإن الأشخاص الذين يعانون الحساسيّة والربو قد يواجهون بعض التعقيدات، مثل الراحة جرّاء زيادة الصعوبة في التنفّس، ناهيك عن أن السعال والصفير أثناء التنفّس وانسداد تجاويف الجيوب الأنفيّة قد تزيد عملية التنفّس صعوبة، وأخطر ما في ذلك أن الحساسيّة قد تسبب أيضاً نوبات الربو.
حالات في المجتمع
وعند الحديث عن حساسية فصل الربيع تكثر الحالات المتواجدة حولنا في المجتمع، وهنا تخبرنا هبة احدى المصابات بحساسية الربيع عن حجم التأثير السلبي للحساسية على الجسم، حيث تؤثر على انشطتها اليومية، وتؤدي إلى تراجع المردود والقدرة على التركيز لديها، ومستوى الأداء في العمل، مشيرة الى أن انسداد الأنف يزعجها أثناء الليل، ويجعل نومها العميق شبه مستحيل، بل ويوقظها من النوم حتى مع استعمال نقط الأنف.
من جهته يشير هادي الى ان حساسية فصل الربيع تؤثر عليه بدءًا من شهر اذار وتخف تدريجيا لتنتهي في اواخر نيسان، وهي تترافق مع تعطيس، واحمرار في الجلد، وحكة شديدة قد تتطلب مرهما خاصا يصفه له الطبيب، لافتا في حديث لـ"النشرة" الى ان الوقاية هي الحل الامثل وتتمثل بتغطية الانف والفم عند الخروج في اماكن تطغى عليها الاشجار والنباتات.
الوقاية قبل العلاج
هذه الخلاصة يؤكدها الدكتور خضر، الذي يشير إلى ان الوقاية هي الطريقة الفضلى للسيطرة على العوارض التي تنتاب المريض، قبل أن تتفاقم وتخرج عن نطاقها خلال موسم حبوب اللقاح، وهنا يوجه خضر بعض النصائح كإستخدام مياه الملح لتطهير الجيوب الأنفيّة وتنظيفها، الحرص على إبقاء الأبواب والشبابيك مغلقة عندما يكون عدد غبار "الطلع" مرتفعاً، وتجنب زيارة الحدائق العامة لتلاشي أسباب الإصابة، الاستحمام وتغيير الملابس بعد العودة إلى المنزل للتخلّص من حبوب اللقاح التي تكون ملتصقة على الجسم والثياب، ولتفادي انتشارها في المنزل، وخصوصاً في السرير.
اما اذا كانت الإصابة أولية ولم تتطور فيكمن العلاج باستخدام الأقراص المضادة لـ"الهيستامين" المساعدة على منع تفاقم الحالة المرضية، واستخدام أدوية الجهاز المناعي لتخفيف حدة الحساسية وتقليل فرص العدوى منها، وعند حدوث احتقان بالأنف يتم استخدام قطرات مزيلة للاحتقان بشرط عدم استخدامها بصورة متكررة لأنها قد تؤدي إلى الإصابة بنتيجة عكسية وتتفاقم العوارض.
ان الإستخفاف بعواقب الحساسية من شأنه أن يضاعف الحالة ويحوّلها من بسيطة وعابرة إلى مزمنة ومتأزمة، فصحيح أن الحساسية ليست بمرض لكنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطرة تعرقل نمط العيش السليم، ولان لا علاج شاف لها حتى الساعة تبقى الوقاية ومعرفة ما نعاني منه الدفاع الأمثل ضدّ ما قد ينتهك سلامتنا الشخصية، مع التشديد على أنّ الحساسية ليست مرضاً بل حالة مرضية.