بدت زيارة نائب وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن الى بيروت غداة الاعلان عن اتفاق اطار بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول الملف النووي بمثابة اعادة اعتبار لدور بيروت من حيث ضرورة وضعها في صورة ما تم التوصل اليه وما هو متوقع في الاشهر المقبلة في الوقت الذي كانت سادت انطباعات ساهم في تعميمها سياسيون لبنانيون ايضا بان لبنان يأتي في آخر سلم الاهتمامات الاميركية من جهة، وبان الوضع اللبناني اضحى اسير لعبة اقليمية بين المملكة العربية السعودية وايران من جهة اخرى. وتاليا فان لبنان من هذه الزاوية ليس مهملا او متروكا بالمقدار الذي يستشعره او يصفه كثر ولو كان الوضع الامني يستمر اولوية كبرى للاستقرار خصوصاً بالنسبة الى الولايات المتحدة التي مدت لبنان ولا تزال بمساعدات عسكرية كبيرة، فضلا عن استقبالها قبل اسبوعين وزير الداخلية نهاد المشنوق في زيارة اكتسبت دلالات مهمة في هذا السياق.
والاهتمام بالوضع الامني بات يتجاوز الخلافات بين قوى 8 و14 آذار او محاولة التمييز بين الافرقاء في الداخل على اساس الاصطفافات السياسية في ما بين الطرفين (وهذا موضوع آخر يستحق ان يتم تناوله تفصيلا في وقت لاحق). كما يعتقد انه يتجاوز ايضا انتخابات رئاسة الجمهورية من دون ان يعني ذلك عدم الدفع في اتجاه انتخاب رئيس جديد على ما يكرر السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل من دون التطرق الى أي تفاصيل او معايير. لكن هذه النقطة الاخيرة لم يعد ينظر اليها على الارجح في معزل عن متغيرات ستحملها اي انتخابات رئاسية جديدة، وهذه المتغيرات ستطاول الحكومة باعتبار ان حكومة جديدة يفترض ان تأتي مع أي رئيس جديد وكذلك الامر بالنسبة الى قيادة الجيش وربما قيادات امنية اخرى، في الوقت الذي يعتقد ان الوضع قد لا يحتمل انتخابات رئاسية لا تحمل معها اتفاقا على ما بعدها بل تفتح المجال امام خلافات قد تحمل اضطرابات معها. واضطراب الوضع الامني ليس مستحبا في الوقت الذي يبدو اداء الحكومة مقبولا الى حد كبير، وكذلك الامر بالنسبة الى اداء القيادات الامنية لا سيما اداء قيادة الجيش برئاسة العماد جان قهوجي كما اداء وزارة الداخلية بادارة الوزير نهاد المشنوق واداء قيادة الامن العام ايضا برئاسة اللواء عباس ابرهيم. ولا يجوز التقليل من هذه الاعتبارات التي تبدو عملية في سياق النظر من الخارج ولا سيما من الولايات المتحدة الى الوضع اللبناني الذي بات يدور في هذا الفلك تحديدا بين الافرقاء اللبنانيين انفسهم.
يطغى الوضع الاقليمي على الاهتمام الاميركي. وثمة شعور بان ثمة اسئلة كثيرة لا اجوبة عليها او لا اجوبة تملكها الديبلوماسية الاميركية بل ثمة رغبة لديها في معرفة اذا يمكن اضافة عناصر جديدة او مختلفة الى مقاربتها للمسائل والازمات في المنطقة كما الحال بالنسبة الى مقاربتها مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. فهناك من جهة الملف النووي الايراني والطمأنة الاميركية التي تشمل لبنان كما دول المنطقة، باعتبار ان زيارة بلينكن لا تقتصر على لبنان وتشمل دولا خليجية في مقدمها المملكة السعودية ايضا الى الخطوة الكبيرة التي تمثلت في الاعلان عن اتفاق اطار ولو ان الخطوة مع ايران غير منتهية بعد، لكن ثمة سعيا لمحاولة امتصاص رد الفعل السلبي او المخاوف من تداعيات الاتفاق المرتقب على توسع ايران اقليميا في مقابل انهاء ملفها النووي. بعض الانطباعات خلصت الى ان هناك انخراطا اميركيا لاتفاق نهائي مع طهران، في الوقت الذي توحي دعوة الدول الخليجية الى قمة قريبا مع الولايات المتحدة لبحث التعاون الاقليمي بالتزامن مع صياغة تفاصيل الاتفاق مع ايران الذي ينبغي ان ينتهي قبل نهاية حزيران المقبل، الى ان أزمات المنطقة يمكن ان توضع على الطاولة او تتم مراقبتها بالتوازي مع الاتفاق على غير ما كان عليه اهتمام الولايات المتحدة خلال سنة ونصف، بحيث ركزت كل اهتمامها على المفاوضات مع ايران.
ولا ينفصل تفاقم الازمة السورية وتداعياتها على لبنان عن الاهتمام الاميركي في مقابل اهتمام لبناني بمعرفة الرؤية الاميركية لتطور الوضع هناك. وثمة معلومات كانت ترددت في الاسبوعين الاخيرين من ان وضع النظام السوري تراجع وأضحى ميؤوسا منه على عكس الكلام الذي ساد قبل ستة اشهر عن تعزيز وضعه وتقوية اوراقه. وهذا الشعور بات سائدا حتى من جانب الذين نظروا لبعض الوقت عن امكان اعادة العلاقات مع النظام لمصلحة القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية. وبات الانطباع اكثر فاكثر ان الازمة السورية ستأخذ وقتا طويلا لكن بشار الاسد لا يستطيع ان يكون جزءا من المعادلة او التركيبة السياسية المستقبلية في سوريا فيما يبدو ان ايران ومعها "حزب الله" باتا يدفعان غاليا جدا ثمن تورطهما في الحرب الداخلية هناك، لكن هذا لا يمنع ان الاهتمام الاميركي يستمر منصبا على كيفية مواجهة داعش في ظل اختلاف النظرة في شأن تنظيم النصرة وفق ما لم يخف محدثو الديبلوماسي الاميركي.
كما لم يغب وضع اليمن الذي يخشى من ان يكون الوضع الخطر فيه يلامس حدود الحرب الطويلة مع تهديد المعارك الحدود السعودية المباشرة من جهة ومع استمرار الاستشراس الداخلي من الحوثيين والجيش بقيادة علي عبدالله صالح من جهة اخرى.