البشرى السارة هي أنّ أحد القيامة يلي نهار الجمعة العظيمة. والمفارقة أنَّ ما كان أملا مفقودا تحوّل فجأة. وما كان ظلامًا أصبح نورًا. فواقع قبر يسوع الفارغ يمسّ واقعَ حياتنا. يحمل هذا الفراغ رسالة إلى كلّ منّا حريُ به أن يفهمها. فعلى كلّ واحد أن يجدد إيمانه ويملأه من نعم ما رأته المريمات على القبر، لينطلق ويعلن هذه الحقيقة إلى العالم أجمع، خصوصا لأولئك الذين لم تصلهم بعد حقيقة القيامة.
فماذا تحمل لنا هذه القيامة؟ ما هي رسالة القائم من الموت؟ كيف علينا أن نقتبسها في صميم حياتنا بالرغم من التحدّيات التي نعيشها على جميع الأصعدة؟ ماذا لو لم يقم المسيح؟ أو كيف حالُ واقعنا لو لم يكن هناك من قيامة؟ وماذا غيّرت هذه القيامة في واقعنا؟ وهل نعيش بحسب هذه القيامة وبحسب مفاعيلها؟
إنّ الأكفان الموضبة، والقبر الفارغ، والظهورات ليست سوى علامات ودلالات على حقيقة القيامة. فنحن لا نؤمن بقبر فارغ بل بمسيح قائم من الموت. فإيماننا بالربّ تثبّته شهادات الشهود العيان الذين عانوا فهم حقيقة قيامة المسيح أيضا. فهم لم يصدّقوا أوّلا، وكانوا بحاجة إلى هذا الاختبار الذي ينقلهم من مشاهدة الربّ بالعين المجرّدة ويؤهّلهم إلى مشاهدته بعين الإيمان.
فهل إيماننا اليوم كاف لنرى ونختبر ونعيش المسيح القائم من الموت. فكثرٌ ما زالوا يتصرفون وكأنّ المسيح لم يقم بعد. فهم ما زالوا يعيشون كما لو أنّهم ما زالوا في العهد القديم أو قبل القيامة. ما زالوا يقايضون العين بالعين والسنّ بالسنّ، ما زالوا يبادلون الشرّ بالشرّ. ما زالوا يبيعون لبنان بثلاثين من الفضة، ويتاجرون بأرواح الأبرياء وحياتهم ودمائهم. فأين نحن من قيامة المسيح إذا لم ينتصر فينا الحب على الكراهية، والتسامح على الحقد، والتواضع على الاستكبار، والقناعة على الجشع، والشفافية على المكر، والبساطة على العُقد، والخير على الشر. لا نستطيع أن نتغنّى بأننا أبناء القيامة أو مسيحيّون إذا لم يكن إيمانُنا متجلّيا بأعمالنا، وإذا لم نُسكِن في داخِلِنا، وبفرحٍ، مكونات التضحية والصدق وبذل الذات والتجرد، وإذا لم نصالح الربّ مع أنفسنا ومع الآخرين. فدعوة القيامة هي أن أصحح كل التواء وضرر وانحراف مارسته بحق الله والغير وذاتي. هل لوقع كلمات مار بولس صدى في القلوب؟ "إذا كان المسيح لم يقم، فإيمانكم باطل وأنتم بعد في خطاياكم. وكذلك الذين ماتوا في المسيح قد هلكوا. وإذا كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدى هذه الحياة، فنحن أشقى الناس جميعا. لكن الحقيقة هي أن المسيح قام من بين الأموات هو بكر من قام من رقاد الموت". (1كور 15: 17-18). فحقيقة القيامة بعيدة عن أيّ شكّ أو ريب أو غش، فالمسيح حقّا قام. فالمشكلة إذا هي ليست في القائم من الموت بل في أبناء القيامة الذين يعيشون الموت وهم ما زالوا أحياء. أبواب قلوبهم ما زالت موصده، ونوافذ عقولهم منغلقة، فمن أين يدخل روح الله، "البارقليط"، روح القوّة ومخافة الربّ، روح البنوّة والمشورة، روح الفهم والحكمة والمعرفة؟
فيسوع أدخل في التاريخ ديناميكية مختلفة المعنى عن تلك التي كانت موجودة، ولكنّ الشعب – نحن - يستمرّ في فهم المسيح بطريقة محدودة. يريد الشعب ملكا عادلاً يخلّصه، ولكنّه لا يريد أن يُقلع عن ركوديّته، لا يريد أن يقبل بالتغيير الواضح الذي يريده يسوع. يمضي وراءه من دون أن يتخلّى عن الخوف، والجهل، والأنانيّة، وحبّ الذات. فهو يفضّل البقاء عند جمعة الآلام والصليب الذي هو أمر محتّم، من أن يكون من أبناء القيامة.
يسوع أسس مملكة السلم والسلام. في هذه المملكة لا مكان للسارقين والساعين إلى المصالح الخاصة. هذا الملك ليس كباقي الملوك، فهو راع صالح، يهتمّ بكلّ فرد من أفراد مملكته، كأنّه وحيد. فهو يطلب منّا اليوم استضافته على أساس تعليمه وحياته، وليس على أساس ما نريد وننتظر. فلأيّ ملك نهتف؟ هل هو في حياتنا ملك ليوم واحد؟ ملك "العيد الكبير" فقط؟ أو مَلِكٌ يملك على قلوب من تعمّدوا باسمه إلى الأبد؟
بالإيمان والرجاء والمحبة ومخافة الله تسلح آباؤنا وأجدادنا المسيحيّون وقهروا كلّ المعتدين والفاتحين بشهادة حياتهم، وصلابتهم، ووحدتهم وصلاتهم، وعلى القديسين ومريم توكّلوا ونتوكّل لنبقى شهادة حيّة في هذا الشرق الممزّق الذي تبنّى ثقافة الموت والقتل والتنكيل. فلم يعد وجودنا ورسالتنا مقتصرين فقط على لبنان وجباله، وإنما حيثما انتشرنا في الشرق والغرب، حاملين رسالة المحبة والسلام والتعايش، أمينين على الوديعة كما كان من سبقنا من الصالحين، ومكمّلين ما بدأه الربّ على أرضنا، ناشرين ثمار القيامة حيثما حللنا. فهل حقّا قام المسيح أو انّه لم يقم بعد؟ هل حقّا نحن شهود قيامته؟
* راهب مريمي ماروني، مدير جامعة سيّدة اللويّزة-فرع الشوف.