يتناقض الاحتقان الذي تسببت به مواقف الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في حملاته ضد المملكة العربية السعودية مستفزا ردود فعل مضادة لتوريط لبنان في عداء مع المملكة والدول الخليجية واحراج لبنان مع مجريات الحوار بين الحزب وتيار المستقبل الذي يتمحور على تخفيف الاحتقان. اذ بات السؤال كيف يمكن تخفيف الاحتقان في جلسات متباعدة في الوقت الذي يجري فيه رفع وتيرة التصعيد على نحو مستمر ويتم شحن النفوس؟ وهو سؤال واقعي اذا اخذ في الاعتبار انكفاء من يعتبرون حلفاء لـ"حزب الله" في الطائفة السنية عن الادلاء بدلوهم في هذا الاطار بل اعلان بعضهم مواقف مناقضة وعلنية على نحو اثار دوائر الحزب ودفعه الى اثارة تساؤلات جدية حول ابعادها والى اين يمكن ان تصل. ولا ينبغي تقليل هذا العامل اذا اخذ في الاعتبار مدى التعويل على فكفكة واختراق الطائفة السنية في لبنان كما في سوريا حيث يعتقد مطلعون ان ما يجري في مخيم اليرموك حيث فتح احمد جبريل الباب امام داعش للدخول الى المخيم انما يهدف الى احراج حماس من اجل ردها الى بيت الطاعة الايراني – السوري بعيدا عن محاولات التقارب مع السعودية من ضمن الاوراق التي يتم تعزيزها على هذه الساحة او تلك.
بالنسبة الى بعض المراقبين السياسيين فان حملات نصرالله انطلقت من واقع ان المملكة العربية السعودية فاجأت في حملتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن الجميع وايران من بينهم. اذ ليس معهودا عن المملكة شن حروب مماثلة في الوقت الذي شكل التوقيت العامل الاكثر احراجا باعتبار ان ايران كانت في مراحل حرجة من مفاوضاتها مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا حول ملفها النووي الى حد لم يكن في امكانها الجهر بموقفها فيما اعتبرت ايران هذا التوقيت للعملية السعودية مستهدفا المفاوضات النووية. وفي ظل هذا الاطار بادر الامين العام للحزب لأن يكون صوت ايران الذي اكتفى بالتعبير باسلوب ديبلوماسي داعيا الى الحوار بالتزامن مع استمرار المفاوضات ولاستيعاب صدمة التحرك السعودي علما ان ثمة عاملا آخر يتصل بواقع ان قائد الحوثيين هو ربيب الحزب اعلاما وسياسة وخطابا واسلوبا ما ساهم في رد فعل انفعالي لم يكن موفقا في رأي الغالبية. فالامين العام للحزب قد لا يجد جدوى من استمرار الحوار او لا يقيم وزنا لمحاوريه من التيار الآخر علما انه دخله عن اقتناع لأن الاعتدال السني قد يكون اسهل من سيطرة المتطرفين الا انه ورط لبنان في مواجهة ترتب عليه اثمانا كبيرة شأنه في ذلك شأن مخاطرته بتدفيع لبنان ثمن الضربة الاسرائيلية على القنيطرة السورية. اذ ان رد الفعل آنذاك ولو اتى مدروسا وفي اراض لبنانية متنازع عليها الا انه كان يمكن ان يدفع لبنان اثمانا باهظة ومكلفة جدا لو لم تتطابق الحسابات الاسرائيلية مع عدم تصعيد المواجهة العسكرية.
البعض اعتبر ان الحملة الاخيرة لنصرالله هي حرب اعلامية سياسية بديلة من حرب عسكرية بحيث يوحي كلامه انه كان سيسعى اليها في لبنان من اجل ارباك المملكة على ما فعل في 7 آيار 2008 لولا ان حجم تورطه في سوريا وسائر ميادين القتال حيث تتحرك ايران من اجل مد نفوذها يحول دون قيامه بذلك فضلا عن عاملين اثنين آخرين احدهما ان 7 ايار مماثل للسابق غير محتمل لاختلاف الظروف حين كان النظام السوري قويا ويشكل ظهيرا للحزب في حين ان اي امر مماثل قد يؤدي الى نشوب حرب سنية شيعية في لبنان في ظل لعب الاطراف الاقليمية اوراقها مكشوفة في لبنان وفق ما يقول هؤلاء. ثم لأن هناك توافقا اقليميا دوليا على محاولة تحييد لبنان عن التحول ساحة اضافية من الحرب بين الدول الاقليمية لا يزال ساريا حتى الآن ولا يعتقد هؤلاء المراقبون بوجود رغبة في تجاوز ذلك ولو ان الثقة مفقودة في عدم رغبة ايران في الدفع في لحظة ما في هذا الاتجاه.
لكن بالنسبة الى آخرين فانه وقد تسلمت ايران زمام التصعيد ضد المملكة والتهديد بان لا تسمح لها بان تفوز في اليمن كما جاء على لسان مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي، فان ثمة تساؤلات اذا كانت الامور ستعود الى تهدئة المواقف الداخلية في لبنان او يتم الاستمرار في التصعيد عبرها باعتبارها ساحة اساسية من ساحات المعارك التي تستند اليها ايران على غرار ما عبرت زيارة الموفد الايراني مرتضى سرمدي لبيروت في اليومين الاخيرين والتي اتت لترد على زيارة نائب وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن ولتؤكد ان لبنان ساحة نفوذ قوية لطهران لا تترك لا للاميركيين ولا لسواهم.
بعض المصادر لا يخشى على الحوار كوسيلة تبقي الحد الادنى من التماسك قائما على رغم عدم معالجته اي مشكلة وما اذا كان الحزب يرغب في استمراره في ضوء حاجته الى استيعاب اي رد فعل في ظل تحضيره لمعركة القلمون والزبداني والبعض يقول محاولة توريط الجيش اللبناني في المعركة بعد فشل مسعاه الى تأمين التنسيق المباشر بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري او اذا كان تيار المستقبل سيستثمر في المقابل رد الفعل السني غير المؤيد لموقف الامين العام للحزب. كما لا يخشى من مواجهات عسكرية في الداخل اللبناني لاعتبارات متعددة الا ان ثمة خشية من ان يتم تنفيس الاحتقانات المتصاعدة اقليميا في عمليات امنية على شكل تفجيرات او اغتيالات تعيد الخطط الامنية في بعض المناطق الى نقطة الصفر.