هناك فئتان من الناس لا يمكن ان ينسوا موعد 13 نيسان: الفئة الاولى هي اللبنانيون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم، والفئة الثانية تتذكر هذا الموعد لانه تاريخ ميلاد اصحابها.

40 سنة لم ينسها اللبنانيون، كونها الشرارة التي اطلقت الحرب في لبنان والتي استمرت حتى العام 1990، وحملت معها خسائر بشرية بالآلاف وخسائر مادية بمليارات الدولارات. بعد 40 سنة، يعتقد البعض ان اللبنانيين تعلموا الدرس ولن يلجأوا بتاتاً الى الحرب مجدداً، ولكن...

للاسف، وبعيداً عن الكلام العاطفي والمستعمل للاستهلاك الاعلاني، لا يزال شبح الحرب في لبنان يخيّم وبقوة، وهو رابض منذ زمن بانتظار من يطلق سراحه فيصول ويجول ويتسيّد الساحة اللبنانية.

ليس اللبناني من يمنع عودة الحرب، بل على العكس يبدو وكأن الشريحة الكبرى تتحيّن الفرصة لاطلاقها مجدداً لتمحو بدقائق قليلة الجدار الهزيل القائم والذي يحول بين لبنان وشرارتها. ولمرة واحدة فقط، يمكن القول ان الغرب والخارج بشكل عام يلعب دوراً ايجابياً وقد يكون العائق الوحيد الذي يمنع مشاهد وفظاعة الحرب من العودة الى شوارع ومناطق لبنان.

صحيح ان هدف الغرب ليس رفاهية اللبنانيين وصون لبنان وحمايته، انما المصلحة الخاصة التي فرضت ان يكون هذا البلد في منأى عن الحروب الداخلية، في خضم العمل على خطة الشرق الاوسط الجديد والتطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم. فرض الغرب على الجميع احترام الخطوط الحمر التي وضعها واولها عدم عودة الحرب، تماماً كما فعل ابّان سنوات المواجهات الدامية التي كانت تضع اللبنانيين في مواجهة بعض.

هل يجب ان نشكر المنظمات الارهابية والارهابيين، ام المشروع الايراني النووي، ام الصراع السني- الشيعي؟ كلها ويلات لكنها عادت بالفائدة على لبنان من ناحية وجوب المحافظة على الحد الادنى من الاستقرار الداخلي فيه. يعلم الجميع ان اي اهتزاز كبير داخلي لبناني يعني حتماً تدهور الوضع نحو الكارثة في الشرق الاوسط ككل، وبالاخص في هذه الاثناء التي يتم فيها تحديد الخطوط الجديدة للمنطقة بشكل دقيق ولا يحتمل الامر اي خضّة كبيرة على هذا القدر من الاهمية، لان نتائجها ستكون على غرار احجار الدومينو. ومن المهم الاشارة الى ان تغيير الاوضاع الحالية في لبنان سيلقي بثقله على الاوضاع المتدهورة اصلاً في كل من سوريا والعراق، كما ان من شأنه ان يقلب الامور لان حزب الله وهو القوة العسكرية الاكبر، سيضطر عندها الى اعادة التمركز في لبنان وهو امر سيترك تداعيات ونتائج لا يمكن التكهن بها. ولان لبنان بلد الطوائف، فسيكون للحرب فيه صلات مباشرة على امكان تغيير الواقع الجغرافي في اكثر من بلد، فهناك طائفة شيعية قد تكون الاكبر والاكثر فاعلية في الدول العربية المجاورة ستحاول الدفاع عن نفسها بشتى الوسائل، كما ان الطائفة السنيّة تستمد قوتها من التكتل السني الضخم الموجود في الشرق الاوسط، فيما يبقى المسيحيون تحت الانظار كونهم نقطة التجمع الوحيدة الباقية في المنطقة في ظل الاضطهاد وسياسة التهجير المتّبعة بحقهم في اكثر من دولة، ناهيك عن ان الدروز يتمتعون رغم اقليتهم بصفة "بيضة القبان" اي ان دورهم اساسي ولا يمكن القفز فوقه بسهولة والارتباط المعنوي للدروز في سوريا واسرائيل باخوانهم في لبنان امر ظاهر للجميع.

في الخلاصة، لا يعود فضل عدم وقوع الحرب للبنانيين، وعلى كل لبناني ان يتعلم ان حصولها والتي تتوق اليها الاكثرية في لبنان، ستعني حتماً تغيير وجهه الديمغرافي والجغرافي وقد تساهم ايضاً في تغيير وجه المنطقة بأسرها، ووضع الطوائف في اكثر من بلد.

لسوء الحظ كان لبنان منذ 40 سنة خارج مصالح الغرب والخارج، ولحسن الحظ انه اليوم على خط سكة هذه المصالح، ولكن الا يثير حفيظة احد ان اللبنانيين لم ينجحوا خلال 40 عاماً في بناء سور الحماية العظيم الذي يقيهم خطر الحرب؟