إذاً... أصبحت الأمور تُسمّى بأسمائها، وأصبحت السعودية بالنسبة لإيران و"حزب الله" والمحور الحليف هي "السلطان الجائر"، واتخذت التصريحات منحىً تصاعدياً بعد دخول عملية "عاصفة الحزم" السعودية أسبوعها الثالث، فيما الاحداث تتوالى في سياق سيناريو مجنون لا يمكن التكهن كيف ومتى ومن المنتصر فيه، والى أين ستتجه الأمور خصوصا بعد قرار مجلس الأمن والتصعيد الذي تشهده المنطقة.
في أوّل ايام الحرب اليمنية، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بخطاب أقل ما يمكن ان يُقال فيه انه خطاب ناري، حطّم كل القواعد التي اجتهد الحزب في السنوات الاخيرة للحفاظ عليها مع السعودية التي ولطالما كانت تسعى الى استدراج "حزب الله" -من خلفه إيران- الى المواجهة المباشرة معها نظراً لتأثيرها في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً الذي -وعلى ما يبدو- هو أكثر المتأثرين بالأحداث اليمنية لإعتبارات سياسية وايديولوجية عديدة.
تَبِعَ خطاب نصر الله موجة من ردود الفعل المؤيدة التي اكملت ما بدأ به؛ والمعارضة التي كانت نارية وتصعيدية كما الخطاب نفسه. وعملت القيادات الإيرانية التي كان من الملفت ان موقفها أتى بعد موقف نصر الله -وما لذلك من أبعاد عسكرية- وقيادات "حزب الله" في الأيام الماضية الى تهيئة الشارع الاسلامي والعربي والدولي -الموالي والمعارض للحرب- لخطوات تصعيدية. فقد صرّحت إيران سياسياً وعسكرياً وعلى لسان أرفع المستويات بوجوب "التدخل" لوقف حَمّام الدّم في اليمن، وأوصى المرشد الأعلى للثورة الاسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي "بحتمية تمريغ أنف السعودية في التراب" في تصريح يُعدّ منعطفا تاريخيا للعلاقات بين البلدَين، وبالتالي في المنطقة.
ففي أوّل أيام الحرب، ارتفعت مؤشرات إنزال برّي وبحري لقوات التحالف السعودي في مضيق باب المندب، ومن ثم اختفى الحديث عن هذه الخطوة بعدما غمز "حزب الله" -وعلى لسان نصر الله- كاشفاً ومذكراً بأنّه وبالرغم من سيطرة السعودية على اليمن والمضيق في السنين الماضية، إستطاع الحزب -ومن خلفه إيران- تمرير العديد من شحنات السلاح إلى الداخل الفلسطيني عبر السودان ومصر ومن ثُمَّ إلى قطاع غزة في رسالة واضحة جداً للسعودية أنّ تجهيز اليمن بالمقاتلين والسلاح -وعلى مبدأ البادي أظلم- ليس بالأمر الصعب رغم كل الأحداث التي تشهدها المنطقة، وأنَّ كل الكلام عن التدخل العسكري لتأمين المضيق لا يُحمل على مَحمَلِ الجدّ، مُذكّرًا الجمهورية المصرية بأنّ أي تدخل لاغلاق المضيق سيدمر الاقتصاد المصري والعالمي المُعتمد -والى حد كبير- على هذا الخط التجاري، ومجبراً مصر على الخروج من اللعبة البريّة بعدما استطاعت الدبلوماسية الإيرانية من إخراج باكستان وتركيا منها.
أمّا على أرض الميدان؛ فقد امتصّ الحوثيّون والجيش اليمني الموالي لعلي عبدالله صالح الضربات الجوية مُفرغين بذلك بنك الأهداف السعودية ومُجبرين طائراتها بالغوص في رمال الضحايا من المدنيين الذين تجاوز عددهم الـ2500 قتيل (حسب المتحدث باسم الجيش اليمني) ومحرّكين الشارع الشعبي الدولي ومنظمات حقوق الانسان لِحَثّْ المجتمع الدولي على بدء البحث عن حل سياسي للاحداث في اليمن.
كما وتُؤكّد مجريات الأمور حتى الآن أنّ تحالف الجيش اليمني واللجان الشعبية وجماعة أنصار الله هم من يمسكون بزمام الأمور على الساحة اليمنية. وبالرغم من الضربات الموجعة التي يتلقونها، إستطاع اليمنيون إظهار السعودية بموقف محرج بعد إجبارها على خلق إنجازات وهمية وبثّ شائعات في الإعلام ليس آخرها عن مقتل زعيم حركة أنصار الله عبدالملك الحوثي.
وعلى المقلب الآخر؛ يعمل الجيش اليمني جاهداً والقوى الحليفة على تحرير المناطق الجنوبية والشرقية لتأمين الأقاليم اليمنية الغربية الخمسة من مسلحي "القاعدة" و"داعش" والحراك الجنوبي ومجبرة هذه الجماعات على الانسحاب الى حضرموت اكبر الأقاليم اليمنية لجهة الشرق، لاغيةً بذلك فكرة تقسيم اليمن جنوبا وشمالاً، ومحققة بذلك نصرا استراتيجياً يتجلّى بتوحيد الشارع اليمني الداخلي بوجه السعودية. وما عمليات إسقاط الأسلحة للجماعات المسلحة من قبل الطائرات السعوديّة إلا دليل واضح على حجم الخسارة التي مُني بها هؤلاء المدعومين مباشرة من المملكة؛ مما وضعها في موقع الداعم العلني المباشر لكل الجماعات الاصوليّة المتطرّفة والمتشددة في المنطقة على طول الخريطة الممتدّة من العراق الى سوريا وصولا الى لبنان.
ما يتوافق عليه جميعُ المحللين والمراقبين والمراهنين وأصحاب القرار ان الاحداث في اليمن تشكل منعطفاً تاريخياً لما يحمله هذا البلد المنكوب من خصوصية وتأثير.
وكما خُطّط ليكون موقف "حزب الله" سابقاً للموقف الايراني في بداية الحرب على اليمن، تتجه كل الأنظار الى خطاب نصر الله يوم الجمعة المقبل، الذي سيؤكّد فيه ان اي عمل عسكري بَرّي في اليمن سيشعل المنطقة، وستصبح الحرب على الارهاب من العراق الى سوريا ولبنان الى اليمن خندقاً واحداً بوجه عدوٍ موحدٍ، ضمن استراتيجيات ساحات الحرب التي كرّست معادلات جديدة قد تغير وجه المنطقة.