منذ التبدلات الأخيرة التي حصلت على الصعيد القيادي في السعودية، بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، تُطرح علامات الإستفهام حول العلاقة مع تنظيم "الإخوان المسلمين"، الذي صُنّف إرهابياً بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي ووصول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، خصوصاً أن المؤشرات كانت توحي بوجود تقارب بين الجانبين، ولو لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي.
لكن، مع تطور الأحداث في اليمن، كانت الصدمة بأنّ أغلب فصائل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ذهبت بعيداً في دعم الرياض في عملية "عاصفة الحزم"، تحت عنوان دعم "الشرعية" في هذا البلد العربي، مع العلم أنّ السعودية نفسها كانت أول من دعم الإنقلاب على "الشرعية" في مصر، من وجهة نظر "الإخوان المسلمين"، وحتى اليوم لم يتمّ التوصّل إلى معالجة الخلافات القائمة مع القاهرة على هذا الصعيد، رغم كلّ الوساطات التي حُكي عنها.
بالنسبة إلى مصادر مطلعة، هذا الموقف لا يمكن أن يُفسَّر إلا في سياق إعتراف التنظيم بالمرجعية السعودية، ولو كانت الأخيرة معارضة لتوجهه من حيث المبدأ، نظراً إلى الإختلافات الواضحة بين الجانبين، إلا أن المعضلة الأساس هي في كيفية تقبل "الإخوان" لهذا الواقع بعد أن وجهت الرياض ضربة قاسية لهم في مصر، حيث التنظيم الأم الذي أسقط عن "عرش" السلطة، بعد أن كان من المتوقع أن تكون القاهرة نقطة إنطلاقه وتوسعه باتجاه دول أخرى، وترى المصادر أنّ هذا الموقف يعني بشكل واضح لا لبس فيه أنّ "الإخوان" يسلمون بشكل أو بآخر بعدم قدرتهم على الخروج من "العباءة" السعودية.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى معطيات تقف خلف الموقف "الإخواني"، أبرزها غياب المصلحة باستمرار هذا الخلاف طويلاً، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب عليه، خصوصاً بالنسبة إلى المناصرين المتواجدين في البلدان الخليجية، والذين يشكلون عاملاً أساسياً في تأمين الدعم المالي، بالإضافة إلى الرهان على دور الرياض في رعاية مصالحة مصرية يكون التنظيم أبرز المستفيدين منها، بالرغم من المعارضة التي تبديها القيادة المصرية حتى الساعة، وتعتبر أنها ستشكل عاملاً أساسياً في عودة الزخم لنشاط "الإخوان"، وتؤكد أن المعطيات على الأرض توحي بامكانية حصولها، على إعتبار أن الواقع في المنطقة يفرض الوحدة بوجه التحديات، التي يعتبر النفوذ الإيراني أبرزها.
من ناحية أخرى، تلفت هذه المصادر إلى أن أخذ الصراع اليمني طابعاً مذهبياً أحرج التنظيم، الذي كانت له علاقات تاريخية مع الجمهورية الإسلامية في إيران، ولم يكن لديه هامش كبير في المناورة، حيث كان مضطراً إلى أخذ موقف واضح داعم لعملية "عاصفة الحزم"، إلا أنها تتحدّث في الوقت عينه عن اختلافاتٍ في الرؤية لدى الأفرع المنتشرة في أكثر من بلد عربي، حيث تشير إلى أن المصريين لا يستطيعون التهليل لنظرية تروج لها السعودية طبّقت نقيضها معهم.
بالإضافة إلى كل ذلك، تشدد المصادر على أن الرياض نجحت في الفترة السابقة بالضغط على مختلف حلفاء "الإخوان" من أجل التخلي عنهم، لا سيما قطر وتركيا، وتؤكد أن التخلي كانت له تداعيات كبيرة حتى لو لم يكن كاملاً، وتوضح أن قطر بشكل أساسي كانت مضطرة إلى تعديل إستراتيجيتها في السياسة الخارجية، نتيجة القطيعة التي فرضت عليها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وفي نهاية المطاف وجدت نفسها مضطرة إلى الإعتراف بشرعية السيسي في مصر، وبالتالي فإنّ أفق العودة الفاعلة إلى الساحة يتطلب علاقة جيدة مع المملكة، إلا أنها تسأل: "هل يتطلب الأمر الذهاب من الإخوان أبعد من حلفاء الرياض في المواقف من إيران وحلفائها في المنطقة؟"
من جانبها، تُصر مصادر مقربة من تنظيم "الإخوان المسلمين"، على أن موقفها واضح وثابت، وتشير، عبر "النشرة"، إلى أنها "تدعم الشرعية التي نتجت بعد الربيع العربي وترفض الإنقلابات العسكرية عليه"، وتضيف: "إحترام إرادة الشعوب موقف مبدئي، سواء كان في مصر أو اليمن، وحتى اليوم نحن نرفض أي قرار يصدر عن السلطة المصرية بسبب فقدانها الشرعية"، وتفضل عدم تحميل القيادة السعودية الحالية المسؤولية عن أفعال القيادة السابقة التي أيدت "الإنقلاب" في مصر.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ليس هناك إختلاف في وجهة نظر أفرع التنظيم المختلفة من "عاصفة الحزم"، إلا أنها تعترف بأن كلا منها يؤيدها إنطلاقاً من رؤيته الخاصة، وتشير إلى أن الإختلاف في قراءة الأحداث بينها ليس بالجديد، إلا أنها تلمح إلى وجود إجماع على دعم العملية، خصوصاً أنها كانت ضرورية للدفاع عن البلدان العربية بعد "التمادي" الإيراني في أكثر من ساحة.
في المحصلة، تشدد المصادر على السعي إلى أفضل العلاقات مع الرياض، ولا تنفي الرغبة المشتركة في ذلك، بالرغم من أن بعض حلفاء السعودية مزعوجون، لا سيما مصر والإمارات، وترى أن المستقبل هو الذي سيحكم على الإتجاه الذي ستأخذه الأحداث.