من غير المحتمل ان يكون الافرقاء الذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية قد تلقفوا الرسالة "القوية" التي وجّهها عدد من سفراء الدول الغربية في لبنان، من بينهم سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من بكركي من اجل الحفاظ على الديموقراطية وانتخاب رئيس من دون تأخير. فالاجماع الديبلوماسي مهم ولو انه ليس جديداً وحصل في نيويورك وسواها خصوصاً ان رؤساء البعثات الديبلوماسية المعنيين لا ينفكون يرددون امام المسؤولين اللبنانيين لا سيما منهم المعرقلين، ضرورة الذهاب الى انتخاب رئيس وانهاء الشغور مبرزين أسباباً جوهرية ووجيهة لا تتعلق بلبنان فحسب بل بالمسيحيين أيضاً والخسارة التي يتعرضون لها في بقاء موقع الرئاسة شاغراً، لكن من دون الحصول على رد فعل ايجابي.
ما قامت به بكركي في شكل أساسي انها سلطت الضوء مجدداً وتكراراً على موضوع الرئاسة الذي تخشى ان يغدو أكثر فأكثر موضوعاً ثانوياً في اولويات اللبنانيين في ظل تصاعد الصراعات الاقليمية وتأثيرها على لبنان، على غرار الحماوة التي يشهدها لبنان في موضوع اليمن واستمرار الحماوة في الموا الاقليمية الاخرى ، كما تخشى اعتياد الطبقة السياسية على شغور موقع الرئاسة وامكان تسيير شؤون البلد من دون رئيس. لكن الواقع انه يصعب الجزم بان هذا الاجماع يمكن ان يشكل ضغطاً على الافرقاء المعطّلين، خصوصا ان الرد اتى سريعاً على لسان نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم ولو في شكل غير مباشر بتأكيد موقف الحزب من انه يمكن اختيار الرئيس في 24 ساعة مكرراً لازمة التمسك بمن يعتبره الحزب مرشحا قويا وجديرا في رأيه. وهو الامر الذي يفيد عملياً بأن المنطق الذي يتم التعاطي معه في هذه المسألة منذ سنة تقريباً لا يزال من دون تغيير وان الحزب بالاصالة عن نفسه وبالوكالة عن داعميه الاقليميين لم يغير موقفه ولا يظهر اي استعداد لذلك حتى الآن، لا بل يشهر الموقف نفسه لإدراكه بانه لن يفرط به قبل فتح باب المفاوضات الجدية حول هذا الموضوع.
وكان البطريرك الماروني قد رفع وتيرة الضغوط التي يمارسها في كل المحطات والمناسبات التي لا تخلو من دعوته الى انتخاب رئيس جديد بتحديده قبل اسابيع الفريق المعطِّل بعدما كان يعمم العتب والاسف على كل الافرقاء السياسيين طوال اشهر. اذ اسف أخيراً لتنكر المجلس لواجبه في انتخاب رئيس بسبب موقف فريق. و"التشهير" للضغط شعبيا وسياسيا استكمل بدعوة سفراء دول مؤثرة مجددا للقاء مع البطريرك في بكركي من اجل ان يوجهوا رسالة قوية بالمعنى نفسه. وهو موقف لافت وغير مسبوق ان تطلب مرجعية دينية من ممثلي دول اجنبية الضغط على النواب والتأثير عليهم من أجل ان يقوموا بواجبهم في انتخاب الرئيس العتيد، بعدما تبين لبكركي ان الانقسامات الداخلية تحول دون الضغط من الشعب على النواب الذين انتخبهم من اجل القيام بواجباتهم الدستورية، علما ان الهدف الفعلي هو ممارسة ضغوط على الخارج من اجل الافراج عن الرئاسة. اذ لو اقتصر الأمر على طلب ممارسة الضغوط على الداخل لكان الأمر محرجاً لبكركي خصوصاً ان افرقاء مسيحيين يشكلون واجهة التعطيل في موضوع انتخاب الرئيس العتيد وتلعب مصالحهم الشخصية دورا كبيرا وحاسما في منع انتخاب الرئيس العتيد. لكن يخشى في الوقت نفسه ان يقع هذا المسعى في التوقيت غير المناسب، على الاقل وفق بعض المراقبين ولو انه يفهم تماما دوافع بكركي على هذا الصعيد وقد يئست من الشغور في سدة الرئاسة الاولى الذي شارف على اكمال سنته الاولى.
فما يجري في المنطقة لا يسمح لأي طرف او دولة بان يلعب اوراقه في الوقت الراهن على الاقل في انتظار اتضاح الصورة في المنطقة في الوقت الذي يعتقد ان ايران التي حالت دون نجاح جهود الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو قبل اشهر ستظهر ليونة في هذا الموضوع في الوقت الذي يمكن ان تستخدم هذه الورقة او تستبقيها لاستخدامها في المساومة في الوقت المناسب. في حين ان ثمة تساؤلا اذا كان يجوز او ينبغي التحدث الى ايران في هذا التوقيت نتيجة مساومات قد تطلبها في المقابل في عز صراع متفجر في المنطقة تشكل ايران احد ابرز اطرافه، وهل يمكن ان انهاء ازمة الرئاسة من دون اثمان قد تكون مكلفة بالنسبة الى لبنان على مستوى اكبر في هذا السياق. ذلك علما ان ثمة ملفات اكثر الحاحا واهمية للبحث متى فتح المجال للبحث في ملفات المنطقة مع ايران ومن الصعب الجزم بأن هناك من يقبل ان يدفع لها في لبنان اثمانا لقاء حلحلة في ملفات اخرى او العكس، اقله ليس خلال الاشهر القليلة المقبلة.
حين التقى مساعد وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن بعض المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته للبنان قبل اسبوعين سعى الى استطلاع رأي هؤلاء في الأسباب التي تعرقل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولو انه يدرك هذه الأسباب على الأرجح. فقيل له إنّه قد يتعين على واشنطن ان تتحدث الى ايران في هذا الشأن من اجل ان تفرج عن الرئاسة في لبنان باعتبارها من تعرقل الانتخابات عبر امتناع قوى 8 آذار عن تأمين النصاب لانتخاب رئيس جديد. لكن لم يفهم لا وجود استعداد ولا وجود ظروف مناسبة لذلك حتى اشعار آخر.