حدّثتكم طويلاً عن «حماس»، وتحديداً عن علاقتها بالحاصل في «سيناء» ودورها في مصر منذ بداية أحداث ما سُمّي «بالربيع العربي»، إضافة إلى دورها الذي كان واضحاً جداً في أحداث سورية، ثمّ إلى موقفها من السلطة الجديدة في مصر، فهي حتى اللحظة تعتبر أنّ الحاصل في مصر «انقلاباً على الشرعية»، في الآن الذي ترفض فيه أن يتحدّث أحد عن شرعيتها!
«حماس» التي كانت واضحة في موقفها إلى جانب «الحمديْن» في قطر، وإلى جانب «أردوغان» العثماني وهو يؤكد أنّه: «سوف يصلّي في الجامع الأموي»، بعد أن يسقط «النظام في سورية»، كذلك بالنسبة لتحالفها المطلق مع نظام «الإخوان المصري» بقيادة «مرسي»، الذي كان حاقداً على سورية، يؤكد الموقع الذي وضعت «حماس» نفسها فيه، وهو ما جعلها بالمعنى السياسي وعلى مستوى الرأس، أن تكون في صفّ ما سمّي بالنسق الداعم «للربيع العربي»، حيث كانت حاضرة من خلال جماعات تابعة لها على الأرض نفّذت ما كان مطلوباً منها، إن كان على مستوى دورها الميداني في مصر خلال الأحداث الأولى أو من خلال دورها اللاحق لأحداث «سيناء» وتوابعها، كما أنّه كان واضحاً أنّ هناك دوراً ميدانياً لها في أحداث سورية، في أكثر من مكان وأكثر من موقع، حيث كان يعوّل عليها في شكل كبير، خصوصاً أنّ أدواتها على الأرض كانت جزءاً من بنية المكان ومكوّناً من مكونات الواقع، في ظلّ تركيبة سورية كانت تعتبر «حاضنة» للمقاومة.
غير أنّ هناك شيئاً مختلفاً كان يحصل خلال أكثر من عدوان على غزّة، فقد كانت «حماس» في غزّة شيئاً آخر، «حماس» التي كانت حاضرة من خلال «كتائب القسام» والتي كانت تقاتل في وجه العدوان الصهيوني، نراها في سورية تقاتل من مكّنها كي تكون حاضرة وقويّة في غزّة في وجه الاحتلال وملحقاته، حيث انخرطت سياسياً وعسكرياً وأمنيّاً من أجل إسقاط الدولة السورية، حتى بدا واضحاً أخيراً أنّ هناك فصيلاً مستقلاً كان يعمل تحت سلطة «حماس» وهو ما دعي بـ «أكناف بيت المقدس»!
الحقيقة أنّ أحداً لم يستطع أن يحلّ لغز «حماس»، في الداخل مقاومة بقيادة ذكية كانت واضحة في مواقفها خلال العدوان على غزة، أدت أداء فذّاً ورائعاً، إلى جانب فصائل فلسطينية لم تصب بما أصيبت به «حماس»، فهي في الداخل الفلسطيني مقاومة بالغة راشدة قادرة على قراءة الواقع موضوعيّاً وحقيقيّاً، مدركة أبعاد الصراع الرئيسية، عارفة متقيدة بخطوط واضحة ملتزمة بعناوين استراتيجية عالية وكبيرة، في حين أنّها في مواقع خارج غزة ليست كذلك، فهي «حماس» التي تمتهن الإرهاب والقتل، والتي تمارس مراهقة فكرية وسياسية غير القادرة على قراءة شيء في شكل موضوعي وحقيقي، الغارقة في أوهام وعناوين مذهبية متخلفة، وهي غير قادرة على فهم الجزء اليسير ممّا هو حاصل بين موقفها على مستوى الداخل الغزاوي وموقفها على مستوى الخارج.
«حماس» بهذا المعنى لم تكن لغزاً كما بدا للبعض، وإنما كانت «حماس» المزدوجة، «حماس» التي لم يكن بمقدورها أن تلعب دوراً واحداً من هذين الدورين، فهي في الداخل الفلسطيني من خلال ضلعها العسكري «كتائب القسّام» حركة مقاومة فذّة، ومن خلال ضلعها العسكري «أكناف بيت المقدس» في الخارج حركة إرهابية بامتياز، لكنّه ليس من المعقول أن يكون الرأس واحداً لهذين الضلعين، بمعنى أن من يعطي الأوامر في غزّة أو يقود «حماس القسّام» لا يمكن أن يكون هو نفسه الذي يقود «حماس بيت المقدس»، إذ أنّ هناك شيئاً ليس طبيعيّاً أو موضوعيّاً إذا أخذنا بمقولة أن القيادة واحدة وأن الرأس واحد.
«حماس القسّام» في الداخل الغزاوي كانت أولوية بالنسبة لمحور المقاومة، ولم تكن كذلك خارج غزّة، غير أنّ التحالف الصاعد على مستوى المنطقة والإقليم والذي كان «الإخوان المسلمون» جزء منه أراد أن يوجد البديل عن «حماس القسّام»، كون أنّ «حماس القسّام» فصيل متماسك جدّاً، أخذت به أياد أمينة، وسلّحته رؤوس قادرة على المناورة والالتفاف جيّداً، وليس بالإمكان هزيمته أمنيّاً، علماً أنّ هناك محاولات حصلت بهذا السياق خلال السنوات القليلة الماضية، وهي جملة اغتيالات لقيادات أمنية في «حماس» كانت تشكل «ضباط ارتباط» هم جزء من خريطة تماسك «حماس القسّام».
إنّ «القوّة البديلة» عن «حماس القسّام»، كانت رئيسية أساسية من أجل دور «حماس» القادم والصاعد، والتي هي جزء من تحالف العدوان، أو ما سمي «بالربيع العربي»، غير أنّ هذه القوة الجديدة كان مطلوباً منها دور جديد مختلف عن دور «حماس القسّام»، حيث كان مطلوباً منها أن تكون في مواجهة الجيشين «المصري والسوري»، بدلاً من أن تكون في مواجهة «جيش الاحتلال الصهيوني»!
إن الاستخبارات «القطرية الإسرائيلية» سارعت إلى العمل على تشكيل هذا البديل، في كلّ من مصر وسورية، ووضعته في مواجهة كلّ من الجيشين، في الآن الذي كانت فيه قوات الاحتلال الصهيوني تشنّ عدوانين كبيرين على غزّة بغية التخلص من «حماس القسّام»، لاختصار «حماس» الصاعدة عسكرياً بما سمّي بـ «أكناف بيت المقدس»!
استخبارات حلف المقاومة كانت تدرك أبعاد المعركة الأمنية على «حماس» وكانت تخوضها ببسالة هائلة، فهي تعلم أنّ أوّل مسمار في نعش «حماس القسّام» سيكون من خلال انشقاقها عن «الجسد الحمساوي التاريخي»، وبالتالي كان لا بدّ من الإبقاء على هذا الجسد مع التركيز على هزيمة «حماس بيت المقدس»، والإبقاء على «حماس القسّام» قوية متعافية بعيدة عن أيادي القيادات السياسية الإخوانية في «حماس»، وهو ما نجحت به تماماً!.
من هنا أرى أنّ الواقع يتطلب تعاوناً استخباراتياً «سوريّاً مصريّاً إيرانيّاً» لمكافحة «إرهاب حماس»، وهو إرهاب استخباراتي «إسرائيلي قطري»، لا يمكن أن يواجه إلا بهذا المعنى وهذا الفهم الذي نؤكد عليه.
لو أنّ «الإخوان المسلمين» في مصر نجحوا في بقائهم على رأس السلطة، كما أنّ «الإخوان المسلمين» في سورية نجحوا في الوصول إلى السلطة، لكانت «حماس بيت المقدس» القوة البديلة الأساسية عن «حماس القسّام»، ولكنّا رأينا «حماس الإخوانية» هي رئيسية المشهد، لكنّها قولاً واحداً لن تكون غزّة عاصمة حضورها!