أمام الإتحاد الأوروبي سلّة من المقترحات لمعالجة مشكلة المهاجرين غير الشرعيّين. الأقليات الوافدة الهاربة من العنف. الإرهاب المتنقّل العابر للحدود والقارات. التقتير المالي في معالجة قضايا النزوح. العجز الفاضح في مواجهة الحالات الإنسانية الناشئة في أوطان البؤس، والثورات الإنتفاضات. لم تعد بلسمة الجراح مقتصرة على إجتماع طارئ لوزراء الإختصاص، بل تتطلّب قمة إستثنائيّة، تنبثق عنها خريطة طريق واضحة المعالم.
أمام الإتحاد الأوروبي سلّة من المقترحات لمعالجة مشكلة المهاجرين غير الشرعيّين تُدقّق المنظمات المتخصصة في الأرقام، تحرص على تدبيج التقارير، وتنشط في إعداد خطط الإغاثة، فيما المطلوب توفير الأموال، وتنفيذ ما هو مرسوم على الورق. كان المطلوب من إجتماع الكويت الأخير للدول المانحة 8,3 مليارات دولار، فيما تمّ التفاهم على 3,8 مليارات، تُقسّط على مراحل، وبلا شروط ملزمة.
الجانب المالي مهمّ في نظر سفراء متابعين، لكنّ المعالجات الجدية تحتاج الى خطة متكاملة تُوازن ما بين الإحتياجات والإمكانات، وهذه لا يمكن إنجازها في ظلّ التحديات الماثلة، والمتغيّرات المتسارعة. يجب الإعتراف بأنّ الأزمات المفتوحة في دول عدّة، يصعب ضبطها تحت سقف زمني. لا يمكن القول إنّ الأزمة في سوريا ستنتهي بعد أسبوع، او شهر. وإنّ العراك المحتدم في العراق سينشد الهدوء والسكينة في تاريخ محدّد.
ومهما علا شأن الدول، لا يمكنها التحكّم بمسار المستجدات. كان الحديث مطلع هذا العام عن 6 ملايين نازح سوري ما بين الداخل والخارج، تقفز التقديرات المتداولة حالياً لتلامس الـ8 ملايين، والحبل على غاربه، فكيف يمكن بناء إستراتيجات ثابتة على متحوّلات متسارعة؟
وتبقى التسويات من باب الإفتراض والتمنّي، إذ ليس من وضوح في الأفق، في ظلّ إستمرار صراع المحاور، وصراع المصالح، وسباق التسلح. لقد خفّت روافد السيولة، وتراجعت معها الطلعات الجويّة لقوى التحالف، وغاب التشويق والحماسة عن الخطاب التعبوي لمكافحة الإرهاب.
وبإختصار شديد، لقد فترت الهمّة. قال الرئيس باراك أوباما في مطلع ولايته الثانية، «لن يحارب جنودنا نيابة عن الآخرين»، فلم يصدقه أحد، لا بل تورّط كثيرون في رهانات خاطئة. ماذا يجري اليوم على المسرح العربي؟ مَن يقاتل مَن؟
أين جنود «المارينز» المتنقلين على طول هذه الجبهات المشتعلة؟ أوليست الصدور العريانة عربيّة، والنبال عربيّة، والساحات عربيّة، والضحايا عربيّة، فيما المستثمرون كثر من المحيط الإقليمي، الى المحيط الأطلسي، الى آخر مستفيد من المحيط الدولي؟ ومَن قال إنّ الحلّ وشيك، والتسويات أيضاً؟
... ومع ذلك، لا تبدو أسارير الغرب منفرجة، لأنّ الزلزال المدمّر الذي يضرب الدول العربيّة والإسلاميّة، بدأت تنعكس إرتداداته على الداخل الأميركي والأوروبي معاً. جاء «يقامر على طاولة الإرهاب في كازينوهات سوريا، والعراق، ودول أخرى»، وإذ به يفاجأ بمَن «يمرّك عليه» في إدارته أصول اللعبة.
جاء يستثمر في أسهم «داعش»، فوجد شاباته وشبابه في طليعة «الدواعش». يسهّل عملية «الترانسفير» لإستيعاب الأقليات في الدول المتمكّنة إقتصاديّاً، وجغرافيّاً، فيصطدم بالروادع الأخلاقيّة، والفروق الثقافيّة، والإجتماعيّة.
كان يعتقد أنّ إفريقيا بعيدة من شواطئه، والدول العربيّة المنكوبة أيضاً، وإذ به يقف شاهداً عند فقش الموج يُحصي ضحايا عبّارات الموت، وهي تغرق في المتوسط بمَن فيها وعليها من المهاجرين البائسين اليائسين... 700... 300... أكثر، أقل، لا بل ألوف مؤلفة يبلعها المتوسط، الطاحونة واحدة، ومَن لم يمت بحدّ السيف يموت بغيره... ومَن لم يسقط في ساحات المواجهات، يسقط في البحر.
قد يتمكن الأوروبيّون بالتعاون مع الأميركييّن من تجنيب ساحاتهم من الإرتدادات والتداعيات، ولكنّ الضمانات لا توفّرها المراهم والمسكّنات، ولا بدّ من حلول ترسم نهايات للأزمات المتفاقمة، تنطلق بداية من إلتزام جدّي في معالجة الملف الإنساني.
حتى الآن يمكن القول إنّ المعالجات فاشلة، لا الدول الكبرى تفاهمت على خطط طوارئ تحاكي الحاضر والمستقبل، ولا الدول المانحة وفّرت الأموال اللازمة، ولا المنظمات المتخصصة إلتزمت وعودها. والدوران في الحلقة المفرغة هو أيضاً حركة، ولكن ليس في كلّ حركة بركة تحدّ من ظلمة هذا الليل المشرقيّ الطويل.