إختار الوزير السابق ميشال سماحة الموقوف منذ الثامن من آب 2012، أيّ منذ أكثر من سنتين وسبعة أشهر، الإقرار جزئياً بما نُسب إليه من إتهامات لهدفين: الأوّل عدم إمكان التنصلّ من الأدلّة الدامغة المُثبتة بالصوت والصورة، وثانياً الإيحاء بقول الحقيقة كاملة، على أمل تخفيف عقوبة الحكم النهائي. وفي هذا السياق، يُراهن فريق الدفاع عن الموقوف سماحة على ما يَعتبره "مجموعة من الثغرات القانونيّة"، بهدف إخراج موكّله بأسرع وقت ممكن من السجن. ويرى فريق الدفاع أنّ الطريقة الأمثل لحصول هذا الأمر تقضي بحصر مسؤولية الوزير السابق سماحة بمسألة نقل المتفجّرات، ومحاولة تبرئته من أيّ مسؤولية تجاه النيّة الجُرميّة، أو تجاه الأهداف المُحدّدة والتي تثير النعرات الطائفيّة. وبما أنّ الفشل في تبليغ كل من اللواء السوري علي المملوك، والعقيد السوري عدنان (المجهول باقي الهويّة)، أسفر عن عدم حضورهما وجاهياً أمام المحكمة، وبالتالي إلى إنطلاق المحاكمة من دونهما، وبما أنّ المُخبر الذي أوقع بسماحة بالجُرم المشهود يرفض المثول أمام المحكمة خوفاً على حياته، وبالتالي غياب كلمة ميلاد كفوري ضد كلمة سماحة، يسعى فريق الدفاع عن سماحة إلى جعل كلمة هذا الأخير ضُدّ ما ورد في التسجيلات السمعيّة–البصريّة، والتي لا يُمكن إضافة أو حذف أيّ فقرة من تلك المنشورة منها. ومن هذا المُنطلق ركّز سماحة، وبتوجيهات من فريق دفاعه، على أنّه مُجرّد ناقل للمتفجّرات في صندوق سيارة محدود الحجم، غامزاً من قناة مسألة تفشّي السلاح وبواخر نقل السلاح، وكذلك تموضعه السياسي المناهض للفريق الأمني الذي أوقفه. وقول سماحة إنّ كفوري هو الذي أوقعه بعد أن نصب له فخّاً إستخبارياً، مُدعياً أنّ الهدف كان وضع متفجّرات على المعابر غير الشرعيّة فقط، يرمي أيضاً إلى التنصّل من أيّ مسؤولية جُرميّة، حتى على مستوى النيّة بإلحاق الأذى. ويُراهن فريق الدفاع على أن ينحصر الحُكم على سماحة بصفته ناقلاً لأسلحة وعتاد عسكري غير مُرخّص، بحيث لا يتعدّى الحُكم في هذه الحال فترة سجن سماحة حتى تاريخه، ما يعني إطلاقه فوراً بمجرّد إتمام المعاملات القانونيّة فور النطق بالحكم.
لكن وفي مُقابل خطّة فريق الدفاع عن الوزير السابق سماحة، إنّ الكثير من الوقائع الجُرميّة يُمكن أن تُفشل الرهان بإخراج سماحة من السجن قريباً، وفي طليعتها من الأقل أهمية إلى الأكثر أهمّية، بحسب مصادر قانونيّة مُطلعة:
أوّلاً: إنّ سماحة لم يكن ينقل رشاشاً أو رشّاشين مع بضع مماشط من الذخيرة ليُحاكم بالسجن لمدّة سنتين كناقل لأسلحة وذخائر غير مُرخّصة، بل كان ينقل كمّية كبيرة من المُتفجّرات التي تُستخدم لتنفيذ عمليّات إغتيال وتفجيرات إرهابية بنيّة القتل الجَماعي، والحُكم فيها لا يجب أن يكون مماثلاً لمن يُهرّب رشاشاً في صندوق سيارته!
ثانياً: إنّ سماحة كان أقرّ في التحقيقات الأوّلية بأنّه هو من إتصل بميلاد كفوري، وليس العكس، وإذا كان فريق الدفاع عن سماحة يُراهن على أنّ كفوري لن يحضر الجلسات وبالتالي لن يكون حاضراً لتكذيب تبديل إفادة سماحة عند إنطلاق محاكمته، حيث قال إنّ كفوري هو الذي أوقع به وجرّه إلى الأهداف المدنيّة في الشمال اللبناني، فإنّ الوقائع السمعيّة-البصريّة واضحة، بأنّ سماحة هو الذي يُعطي التوجيهات ويُحدد الأهداف لكفوري الذي يظهر مُستمعاً ومُستفسراً في الشريط المُصوّر.
ثالثاً: إنّ سماحة كان قال في التحقيق الأوّلي أنّه يعرف كفوري منذ 30 سنة، وهذا يعني منذ أيّام توقيع الإتفاق الثلاثي منتصف حقبة ثمانينات القرن الماضي، عندما لعب دوراً مهماً في التقريب بين رئيس "الهيئة التنفيذية" السابق في القوات اللبنانية، الراحل إيلي حبيقة، والمسؤول عن الملف اللبناني في سوريا آنذاك عبد الحليم خدام، مع التذكير أنّ كفوري كان من مساعدي حبيقة في جهاز أمن "القوات". وما تراجع سماحة عن ذلك، والقول إنّه يعرف كفوري منذ العام 1992، إلا لإخفاء معرفته بقدرات كفوري الإستخباريّة والأمنيّة.
رابعاً: في حال التسليم جدلاً بأنّ كفوري هو الذي جرّ سماحة إلى مُهمّة القتل الجَماعي، من الضروري التسليم جدلاً أنّ هذا "العميل الإستخباري" ورّط سماحة ومن خلفه مسؤولين أمنيّين سوريّين كبار، وهذا غير منطقي إطلاقاً، في ظلّ تحديد لمجموعة من اللوائح والأهداف، ودفع مبالغ مالية طائلة، وتأمين كميات كبيرة من المتفجّرات المتطوّرة، وهي أمور لا يُمكن أن تحصل بخديعة من شخص واحد، أيّا تكن الجهة التي وراءه، إذا كان هناك من جهةٍ وراءه. وحتى في حال التسليم بكل ذلك، فإنّ هذا الأمر لا يُسقط عن سماحة حقيقة كونه شريكاً في الجُرم، وشريكاً في نيّة تنفيذ أعمال قتل جَماعيّة لمدنيّين، بغض النظر عن هويّة المُحرّض.
خامساً: إنّ محاولة التهرّب من المسؤولية الجُرميّة عبر التنصّل من المسؤوليّة المعنويّة أوّلاً، وعبر الحديث عن أنّ أيّ عمليّة تفجير لم تحصل، لا يُعفي من المسؤولية الجرمية، كون عدم تنفيذ المهمّات التي أوكلت إلى كفوري عائد إلى رفض هذا الأخير ذلك، وليس إلى تراجع سماحة عن طلبه.
وفي الختام، الأكيد أنّ محاولة حصر مسؤولية الوزير سماحة بمجرّد ناقل لسلاح غير مُرخّص، وإصدار الحُكم عليه بناء على ذلك، كما يأمل فريق الدفاع عنه، لن تكون سهلة على الإطلاق. لكن في الوقت عينه، إنّ طلب قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا عقوبة الإعدام للوزير السابق سماحة بحسب ما جاء في القرار الإتهامي الذي كان قد صدر في آب من العام 2013، هو مُستبعد بدوره نتيجة غياب السلسلة التي تربط ما بين صاحب القرار والأوامر بتنفيذ العمليّات الإرهابية في لبنان من جهة، والعناصر المُنفذة من جهة أخرى، الأمر الذي ترك ثغرات كبيرة في الملفّ. وبالتالي من المُرجّح أن يتمّ التعامل مع سماحة كشخص مُتورّط بقدر تورّط أيّ خليّة تُحضّر لعمليّات تفجير إرهابيّة ويتمّ إلقاء القبض على عناصرها قبل تنفيذ عمليّاتها، بغض النظر عن الرأس المُخطّط، وعدد العناصر المنفّذة وتوزّع الأدوار في ما بينها، مع عقوبة من خمس أو ست سنوات، علماً أنّ الكلمة النهائية والحاسمة تبقى للقضاء بطبيعة الحال.