بعد مرور ما يقارب السنتين و9 أشهر، عقدت الجلسة الأولى لمحاكمة الوزير السابق ميشال سماحة أمام المحكمة العسكرية، فرصة إستفاد منها الرجل لتوضيح بعض المعطيات، بعد أن شغلت قضيته الأوساط السياسية والأمنية، حيث تمكن من الحديث بصورة علنية بعيداً عن الضغوط التي كان يتم الحديث عنها من قبل المقربين منه.
وفي حين كانت وسائل الإعلام تتناقل الأخبار عن إعترافه بكل التهم التي وجهت إليه، كانت عائلته تنفي ذلك، بعد أن رأت أن مسار "التضليل" لا يزال مستمراً. اليوم يبدي فريق الدفاع عن سماحة عن إرتياحه لمسار الجلسة، ويؤكد وجود إيجابية يمكن الإرتكاز عليها، فأين نجح المحامون وما هي التوقعات التي لديه؟
يفضل أحد وكلاء الدفاع عن الوزير السابق تفنيد القضية، من البداية إلى اليوم، ويوضح لـ"النشرة" أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي عمد منذ لحظة التوقيف الأولى إلى تسريب معطيات إلى وسائل الإعلام غير دقيقة، منها الحديث عن توقيف سماحة متلبساً بجرم التخطيط لإثارة الفتنة والقيام بأحداث أمنية بموجب قرار سوري، تجهيزاً وتمويلاً، ويضيف: "وصلت الأمور إلى الإشارة إلى أن القرار صادر عن الرئيس السوري بشار الأسد نفسه".
ويلفت المحامي إلى الحديث في ذلك الوقت عن دور اللواء في الجيش السوري علي مملوك، الرجل الأول على الصعيد الأمني، ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، بالإضافة إلى شخصيات لبنانية منها مدير عام الأمن العام السابق اللواء جميل السيد، ويرى أن التضخيم الذي حصل كان الهدف منه الإستفادة على الصعيد السياسي، نظراً إلى مكانة سماحة التي من خلالها يمكن توجيه السهام إلى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه.
بالنسبة له، النجاح الأساسي الذي تحقق أولاً هو من خلال الفصل بين ملفي سماحة ومملوك على صعيد المحاكمة، نظراً إلى إستبعاد حضور الأخير إلى المواجهة، الأمر الذي كان يعني الإستمرار في المماطلة لفترة غير محدودة من الزمن، وبالتالي إستمرار توقيف سماحة نظراً إلى الضغوطات التي تمنع إخلاء سبيله مقابل كفالة أو بسند إقامة.
بعد ذلك، يبدأ الحديث عن صلب القضية، التي مع إفادة الوزير السابق أمام المحكمة العسكرية وضعت في إطارها الصحيح، لا سيما في ما يتعلق بعملية الإستدراج التي تعرض لها من قبل ميلاد كفوري، الذي على ما يبدو يعمل لدى أجهزة أمنية محلية وخارجية، ويؤكد المحامي أن هذا أقوى سلاح بيد فريق الدفاع، على إعتبار أنه يؤكد وجود غياب النية الجرمية أساساً، وهذه الحجة كافية لتأكيد أن ما حصل هو مخطط مبرمج للإيقاع بسماحة والإستفادة من الأمر سياسياً.
العضو في فريق الدفاع عن سماحة، يؤكد أن الإستدراج لسماحة نفسه يعود إلى علاقاته مع دول غربية، حيث كان يتولى تنسيق إتصالاتها مع القيادة السورية، ويكشف عن معلومات من المهم التدقيق فيها، مفادها حصول لقاءات مع وفود أجنبية كانت تزور لبنان للسؤال عن وضع المعابر غير الشرعية، التي يتم عبرها تهريب الأسلحة والمقاتلين، بالإضافة إلى المعلومات عن إقامة معسكرات التدريب ومخازن الأسلحة، وعن تورط فريق سياسي لبناني في تغطيتها.
لم يكن من الممكن الذهاب نحو موضوع الإنكار، هذا ما يؤكده المحامي، الذي يوضح أنه من خلال المضبوطات والإعترافات التي أدلى بها سماحة، أولاً لدى فرع المعلومات ومن ثم أمام مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود وقاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا، كان واضحاً بأن الوزير السابق يريد الإعتراف بما قام به، مع وضع الموضوع في حجمه الطبيعي بالنسبة إلى دوره، وتحديد أن الهدف كان حماية لبنان قبل سوريا، وتأكيد أن الفكرة لم تكن فكرته بل كان مصدرها كفوري الذي استخدم للإيقاع به.
لدى الحديث عن الدور السوري في هذا الملف، تذهب الأمور نحو المسؤول في مكتب مملوك العقيد عدنان (مجهول باقي الهوية)، الذي كان يتابع الموضوع مع سماحة بشكل تفصيلي. أما مملوك فهو، بحسب إعترافات سماحة، كان يعرف بما يتم التداول به بعد طرح الموضوع معه، لكن الجزم بالتخطيط والمشاركة الفعلية في التنفيذ لم يحصل، من خلال قوله أن مملوك على "الأرجح" كان يعرف بتسلمه الأغراض من عدنان.
بالعودة إلى جلسة المحاكمة الأولى، يؤكد المحامي أن التخلي عن طلب شهادة كفوري من قبل فريق الدفاع كان أمراً ضرورياً، الرجل الذي تحول من مخبر إلى شاهد، من وجهة نظره، بعد كشف هويته وتقاضيه الأموال مقابل المهمة التي قام بها، خصوصاً أن النيابة العامة التمييزية كانت سترفض هذا الأمر، الأمر الذي يعني المزيد من التأجيل في ملف سماحة، ويضيف: "فعلياً فرع المعلومات لديه خوف من إمكانية إستجواب كفوري لا على حياته، لأن إستجوابه من قبل المحامين قد يؤدي إلى توريطه عبر دفعه إلى كشف الحقائق".
بعد الإنتهاء من الجلسة الأولى، تم تحديد جلسة ثانية في 13 أيار المقبل، للإستماع إلى شهادة سائق سماحة، وبعد ذلك سيتم الإنتقال إلى مرحلة المرافعة التي يتبعها إصدار الحكم، الذي يعتبر المحامي أن من المفترض أن لا يتجاوز مدة توقيف سماحة، إذا ما تم الأخذ بمسألة الإستدراج من قبل كفوري، وغياب النية الجرمية في قضية لا يوجد فيها أي متضرر شخصي، باستثناء مسألة نقل المتفجرات.
في المحصلة، دخل هذا الملف الكبير منعطفاً جديداً بعد جلسة المحاكمة الأولى، بانتظار المرحلة المقبلة من أجل معرفة النهاية التي ستكتب له، فهل سيخرج سماحة من السجن قريباً، وهل من الممكن أن يحضر كفوري إلى المحكمة لاحقاً؟