لا جلسة تشريعية في المدى المنظور، ولا موازنة للدولة في الأفق، بالرغم من إنجاز وزير المالية وضع مشروع ميزانية للعام 2015، وهو الموضوع الذي غاب عن كل حكومات لبنان منذ العام 2005، ما يعني أن البلد "ماشي على ما يقدّر الله" منذ أكثر من 11 عاماً، والتي طار فيها 11 مليار دولار من الأموال العامة، لا يعرف أحد كيف ولماذا صُرفت، وفي أي طريق ذهبت، والهم الأول والأخير عند رئيس حكومة لبنان الأسبق، ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية؛ فؤاد السنيورة، أن يتم "تصفير الحسابات"، و"عفى الله عما مضى"، و"نحن أولاد اليوم وليس البارحة"! وليذهب مصير الـ11 ملياراً إلى أسفل السافلين، وربما أشياء مالية أخرى معها.
المهم أن الحكومة "السلامية" أخفقت في إقرار مشروع الموازنة العامة لعام 2015، مع استمرار الإنفاق بعد مضي الفصل الأول من هذا العام على القاعدة الاثني عشرية، وفقاً لنفقات السنة الماضية، والسنة الماضية كانت نفقاتها على أساس ما قبلها، وهكذا على مدى 12 عاماً إلى الوراء، مع أن الأرقام لا تدل على نفس إنفاق العام 2004، والتي تضاعفت عدة مرات.. وهذا يطرح تساؤلات إضافية.
عدم الاتفاق على إقرار مشروع الموزانة سببه يعود إلى استمرار الانقسامات السياسية في الحكومة بين من يطالب بتضمين مشروع الموازنة نفقات ومصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وبين من يرفض هذا التضمين، على اعتبار أن إقرار الموازنة يجب أن يتم من دون احتساب كلفة السلسلة، ويجب أن يتم استناداً إلى مصادر تمويل أخرى مستقلة عن تمويل عجز الموازنة.
في الخلاصة، فإن مشروع الموازنة لم يُحسم في مجلس الوزراء، وتأجّل البحث به إلى جلسة أخرى، حيث قد تتكرر عمليات التأجيل، ليلحق العام 2015 وربما العام 2016 بالأعوام السابقة، أي استمرار البلد الذي توجد فيه حكومة تحكم البلاد والعباد، بلا موازنة عامّة للدولة، ومجلس نواب مدّد لدورة نيابية كاملة، على أمل أن يضع قانون انتخاب جديد، ويشرّع للضرورة، مادام أنه لم يُنتخب رئيساً للجمهورية، فطاب للأخوة النواب التمديد، فلا مشروع قانون انتخاب وُضع، ولا تشريع ضرورة حصل، ولا رئيس جمهورية انتُخب، وحبل الجمود والأزمات يبدو أنه سيمتدّ ويمتدّ حتى أجل غير معروف نهايته.
إذاً، الجلسة التشريعية التي كانت هيئة مكتب المجلس النيابي اتفقت على عقدها، تترنح، وقد لا تُعقد تحت ذرائع عديدة، أبرزها قرار الكتل النيابية المسيحية مقاطعتها، لعدم توافر شروط تشريع الضرورة..
ربما النواب المحترمون الذين على ما يبدو لكل كتلة منهم تفسيرها للدستور، لم ينتبهوا إلى أن عدم اجتماع المجلس النيابي خلال العقد العادي، يجعله مشكوكاً في صلاحيته واستمراره، ما يستوجب حلّه كما يفرض الدستور، وللعلم فقط، فإن العقد الحالي سينتهي في 31 أيار المقبل.. فهل النواب يريدون أن يحلوا مجلس النواب، ربما تفعل ملاحظة رئيس مجلس النواب نبيه بري للمقاطعين فعلها بأن عدم الاجتماع في العقد العادي سيجعله يدعو إلى حل المجلس.
بشكل عام، لبنان بلا رئيس لليوم 336، ومجلس النواب لا يجتمع ولا يشرّع، وحكومة "تكثر العصي في دواليبها"، وتجعلها كأنها جامدة في مكانها، وقيادات على وشك التقاعد، وهلمّ جرا.. إنه النظام اللبناني العجيب المولّد للأزمات في كل آن وحين.