لم تعد قضية تلون مياه نهر بيروت باللون الاحمر عام 2012، "معجزة فريدة"، فمنذ ايام وتحديدا في 16 نيسان الجاري عادت مياه النهر للتلوّن بالاحمر مجددا، ولكن بشكل أشد هذه المرّة ما يدل على ان الكميات التي رميت في النهر بالمرة الثانية تفوق بأشواط ما تم رميه منذ اعوام، وان دل هذا على شيء فعلى "وقاحة" الملوّث، وضعف الدولة التي تبدو هنا وكأنها لم تر ولم تسمع ولم "تشمّ" حتى.
لم تحصل "النشرة" ومثلها اللبنانيون على اي جواب حول عملية تلويث النهر في المرة الاولى بعد التقرير الذي نشرته تحت عنوان: "بعد اخفائه عامين ماذا قال تقرير المختبر عن المياه الحمراء بنهر بيروت؟" ، فالتقرير يومها وللتذكير فقط كشف ان العيّنة التي احضرها رئيس مصلحة البيئة السكنية بسام الصباغ (الذي تولى القضية بناء على طلب ناظم الخوري وزير البيئة السابق) من نقطة "الجسر تحت الشفروليه-الحبتور، انابيب الصرف الصحي"، لم تكن كافية لاجراء كامل التحليلات، فطارت القضية ووضعت في "ادراج النسيان" داخل "دهاليز" وزارة البيئة.
كذلك وحسبما علمت "النشرة" لم يحصل مدير عام وزارة البيئة بيرج هتجيان على جواب من السيد بسام الصباغ لنفس السؤال، فهتجيان وبعد نشر المقال عبر "النشرة"، ارسل "وثيقة احالة" الى الصباغ بتاريخ 10 كانون الاول من العام 2014، طلب بموجبها "افادته بكافة الاجراءات المتعلقة بهذا الملف لمكافحة هذه الجريمة البيئية وذلك ضمن مهلة 48 ساعة من تاريخه". وافادت المعلومات الخاصة ايضا ان المدير العام الذي يحق له معاقبة الصباغ على عدم ردّه على الوثيقة، لن يبقى مكتوف الايدي جراء تجاهل الرد على هكذا قضية، خاصة بعد ان حصل "التلوث" للمرة الثانية منذ ايام.
أما اليوم، فالمنطق يقول ان النتيجة ستكون مختلفة اذ ان الوزير تبدّل ورغم انه لم يطلق الوعود علنا بكشف الفاعلين كما فعل سلفه، الا انه لن يرضى بأن تمر القضية مرور الكرام خصوصا وان التلوث اكبر هذه المرة. وأولى تحركات الوزارة كما علمت "النشرة" هي تعيين السيد بسام الصبّاغ نفسه مسؤولا عن فريق الوزارة المتخصص الذي تم تشكيله لكشف ملابسات ما جرى سابقًا. مع الاشارة هنا الى ان "النشرة" حاولت التواصل مع الصباغ عبر هاتف مكتبه في الوزارة الا ان أحدا لم يرد على اتصالاتنا التي كانت ضمن دوام العمل الرسمي للوزارة.
اذا تم تعيين نفس الشخص الذي فشل في المرة الاولى، مسؤولا عن فريق العمل، فهل يجهل وزير البيئة محمد المشنوق بأن الصباغ "فشل" في الوصول الى اي نتيجة سابقا لا بل "فشل" حتى بإحضار عيّنة من المياه الملوثّة يمكن اجراء كامل التحليلات عليها؟ وهل وزارة البيئة "ضعيفة" لدرجة عدم وجود من يمكنه التحقيق في هذه المسألة سوى نفس الشخص الذي فشل في شباط 2012؟
ذكرنا سابقا أنه بحال لم تقم الدولة بواجبها لتكشف أمام الرأي العام مصدر تلوث نهر بيروت، وعاقبت الجهة الملوثة، فإن المصانع ستنتظر جريان النهر لرمي مخلفّاتها الملوّثة، وهذا بالفعل ما حصل، فهل ستنجح الدولة اليوم بفرض هيبتها على اصغر أنهارها، أمّ أنّها ستُبقي على سمعتها الملوّثة؟