توقف افرقاء 8 آذار قبل 14 آذار، عند كلام الرئيس فؤاد السنيورة الذي صدر عن " تيار المستقبل" للمرة الاولى بهذا الوضوح، ويقول فيه ان "لا حظوظ عند العماد ميشال عون في الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية".
ثمة من يعتقد هنا ان هذه الرسالة، تعبر عن حقيقة "الموقف الاستراتيجي" عند أكبر كتلة نيابية لا تجد في عون الشخصية التي ترتاح اليها في قصر بعبدا، في حال احتلاله الموقع الماروني والسياسي الأول في البلاد.
واطلق السنيورة "رصاصته" هذه فيما لا تزال "الهدنة الاعلامية" سارية المفعول بين "التيار الوطني الحر" و"المستقبل"، ولا سيما ان عون ونوابه يغازلون الرئيس سعد الحريري، ولم يتبنّوا خيار "حزب الله" في معارضته للسعودية و"عاصفة الحزم" في اليمن ومن دون ان يتخلوا عن حليفهم وتعاونهم القائم مع "حزب الله"، حيث ينتظرهم في الحكومة امتحان التعيين لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ولم يقصر وزير الخارجية جبران باسيل منذ تسلمه منصبه الأخير في التقرب من الرياض والتودد الى قادتها في زياراته واطلالاته في الداخل والخارج، من دون ان يحصل منها على أجوبة مطمئنة عما يطمح اليه.
وكان العونيون قد خرجوا بانطباعات طيبة بعد العشاء الذي أقامه الحريري لزعيمهم، واستقباله في "بيت الوسط" في عيد ميلاده. علماً أنه لم يستقبل افرقاء كثر من 14 آذار بهذه الدرجة من الترحيب. وخرج بعد أيام على اللقاء من يسرّب ان وزير خارجية المملكة سعود الفيصل لا يريد عون رئيسا ولا يراه في هذا الموقع الشاغر، حتى الآن.
وفي المقابل تلقت جهات في 8 آذار باستغراب جرأة السنيورة في حديثه الأخير الذي يصور فيه هواجس "المستقبل" حيال عون، وهي في العادة درجت على عدم ارتياحها الى كل ما يصدر عن السنيورة، حتى لو كان يعلق على الزلزال الذي ضرب نيبال، بسبب انعدام الثقة والود بين الطرفين. ولا يتوقع هؤلاء اصلاً ان "التيار الازرق" سيقترع لعون. ولا يقلل "المستقبل" بموقفه هذا من الموقع النيابي لعون وحضوره الشعبي في الوسط المسيحي، مع المعرفة المسبقة ان مفتاح قصر بعبدا موجود في حوزة عون وهو صاحب القرار في الافراج عنه. وثمة اشارة أخرى لافتة اوردها السنيورة، هي انه قد يتم البحث في موضوع ايصال العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، اذا جرى تلقي جواب من الرابية بأن سيدها لن يستمر في رحلة السباق الرئاسي.
والملاحظ أيضا ان السنيورة لم يعد يعوّل على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مساعيه المتواصلة لانتخاب رئيس الجمهورية. وتردد الكلام نفسه قبل أيام بين مرجع ومسؤول أوروبي، ومفاده أن بكركي لم يعد في استطاعتها فعل اي شيء في هذا المضمار.
ويعمل خبراء في سياسات السنيورة على قراءة أبعاد ما قصده، ن ثمة من يرى ان ما قاله موجه الى البيت الداخلي في "المستقبل"، بغض النظر عن عدم الحماسة السعودية حيال عون. والسؤال الذي يطرح: هل عبر السنيورة من بنات افكاره عن اقتناعاته الحقيقية التي تصوّر خيارات شريحة واسعة من كوادر 14 آذار؟ أم ان كلامه رسالة من الحريري شخصياً؟
وتأتي رسالته أيضا في خضم المناكفات الداخلية التي يعيشها "تيار المستقبل" في ظل عدم توحيد رؤية مشتركة من الحوار الذي يخوضه "حزب الله" في عين التينة ولا تنتهي عند الاعتراضات الظاهرة على سياسة وزير الداخلية نهاد المشنوق والتي تشن عليه من قلب طرابلس.
وبعد مرور يومين على كلام السنيورة لم تصدر مواقف بارزة ترد على الرجل من أعضاء "التكتل"، ولا من الشخصيات المسيحية التي تعمل على مساندة عون، وفي مقدم هؤلاء نائب رئيس مجلس النواب سابقاً ايلي الفرزلي الذي اتصلت "النهار" به، وقدم قراءتين لاحتمالين:
- إما أن هذا الكلام تمهيد لموقف سيصدر من الرئيس الحريري ويعبّر في النهاية عن الخلاصة نفسها.
- إما ان السنيورة يقول لمن يهمه الأمر انه هو القائد الفعلي لـ"المستقبل".
وهل من مضاعفات ستظهر عند الفريق العوني؟ يرد الفرزلي "عند عون لا شيء اسمه السنيورة، ما دام هذا الموقف لم يصدر عن الحريري ولم ينطق به".
وماذا لو تبنى الحريري كلام السنيورة؟
يطلق الفرزلي هنا رسالة برقية: "سيكون الرد المسيحي طلب اعادة النظر في صيغة المشاركين في البلد لا أكثر ولا أقل".
يبقى ان هذه الرسالة تركت بلبلة وتخوفا عند جمهور عون وانصاره، وهم لم يصلوا الى درجة الاطمئنان بعد رغم "الكلام المعسول" الذي صدر من بعض "التيار الازرق" في الأشهر الأخيرة حيال الجنرال.
فهل سيرد "التكتل" في اجتماعه الدوري غدا الثلثاء عبر "وزير اعلامه" سليم جريصاتي على السنيورة، أم أنه لن يعيره الاهتمام ما دام هذا الموقف لم يخرج من فم الحريري؟