في الوقت الذي سيبقى فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا الإتحادية حتى العام 2018 على الأقلّ، حيث لا موانع أمام ترشّحه مُجدداً، من المُنتظر أنّ يتمّ في 8 تشرين الثاني 2016 المقبل، أي بعد نحو سنة ونصف السنة، تنظيم الدورة رقم 58 من الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس باراك أوباما الذي لا يستطيع الترشّح لدورة ثالثة. فمن ترشّح حتى تاريخه، ومن يُرجّح أن يخوض الإنتخابات أيضاً، وما هي التأثيرات والإنعكاسات على أبرز الملفّات العالمية، بما فيها ملفّات الشرق الأوسط؟
في ضفّة الحزب الديمقراطي الذي كان أوصل الرئيس أوباما إلى الحكم في 20 كانون الثاني 2009، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركيّة السابقة هيلاري كلينتون ترشيحها رسمياً للإنتخابات، في الوقت الذي يُرجّح إنضمام كلّ من مارتن أومالي وجيم واب ولينكولن شافي إلى معركة الترشّح داخل الحزب الديمقراطي، في ظلّ تراجع إحتمال مشاركة كل من نائب الرئيس الحالي جوزيف بايدن وإليزابيث وارن فيها. في المقابل، وفي ضفّة الحزب الجمهوري الذي سيطر على مجلسي النوّاب والشيوخ إعتباراً من إنتخابات العام 2014، إنّ شهيّة المُرشّحين لمنصب الرئاسة مفتوحة على مصراعيها. وحتى تاريخه أعلن ثلاثة مُرشّحين تطلّعهم للمشاركة في المعركة، وهم: تيد كروز وراند بول وماركو روبيو. وفي حين تأكّد عزوف ميت رومني، يتمّ التداول في أسماء ما لا يقلّ عن تسع شخصيّات من الحزب الجمهوري كمرشّحين مُحتملين لم يحسموا خيارهم بعد بالمشاركة بالإنتخابات أم عدمه. ولعلّ أبرز المُرشّحين أو أكثرهم إثارة للإعلام هو جون (جاب) بوش، إنطلاقاً من أنّ زوج هيلاري، أي بيل كلينتون كان تمكّن من إزاحة الرئيس جورج بوش الأب عن الحكم في العام 1992، ويتطلّع الرأي العام الأميركي إلى جولة ثانية بين "آل كلينتون" و"آل بوش"!
وبحسب المُحلّلين الأميركيّين، تحاول الديمقراطيّة كلينتون من اليوم إظهار تمايزها عن أوباما، على الرغم من الإنتماء إلى الحزب نفسه. وهي مثلاً تعد بأنّ تُقدّم دعما أكبر للمعارضة السوريّة، وترفض أن تتنكّر واشنطن للتحرّكات الشعبيّة في الدول العربيّة بحجّة الخوف من المتطرّفين والإرهابيّين، علماً أنّها تؤيّد مواجهة التنظيمات المُتطرّفة في الشرق الأوسط والعالم بجدّية وفعاليّة. وتعد أيضاً بأن تكون أكثر حزماً في مواجهة السياسة الروسيّة بشكل عام، وبالتحديد بالنسبة إلى موضوع أوكرانيا. ولعلّ الموضوع الأكثر حرجاً للمُرشّحة كلينتون يتمثّل في الإتفاق الغربي-الإيراني بشأن الملفّ النووي، حيث أنّها تخشى إغضاب الجالية اليهوديّة، وفي الوقت عينه عليها مجاراة توجّه الإدارة الأميركيّة الحالية لتسوية الأوضاع مع إيران. وبحسب المُحلّلين، إنّ "السيناريو" الأفضل لكلينتون هو في فشل التوصّل إلى "إتفاق نهائي" بعد ثلاثة أشهر، وفي حال العكس سيكون عليها المُوازنة بين مصالحها الإنتخابيّة من جهة ومصالح الإدارة الأميركيّة. إشارة إلى أنّ كلينتون تؤيّد رفع الحظر عن كوبا، وعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي. لكنها تُصرّ على أن تكون السياسة الأميركيّة ليّنة دبلوماسياً لكن مدعومة بسياسة قوّة حازمة.
وبحسب المُحلّلين الأميركيّين أنفسهم، إنّ الجمهوري بوش يعمل من اليوم على إنتقاد سياسة الرئيس أوباما، وتصاريح ومواقف هيلاري كلينتون، وهو يحرص في الوقت نفسه على تأكيد تمايزه عن سياسات "عائلة بوش" الهجوميّة والقتاليّة والتي كانت أثارت حفيظة الكثير من الناخبين الأميركيّين. ومن أكثر خطاباته جرأة ووضوحاً قوله: "لقد خسرنا ثقة الأصدقاء. وبالتأكيد لم نعد نُثير الخوف في نفوس الأعداء!". وفي هذا السياق، يدعو بوش الذي هو شقيق الرئيس جورج دبليو بوش والنجل الثاني للرئيس جورج آتش بوش إلى عدم تقديم تنازلات مجانية لإيران وكوبا وغيرهما، من دون الحصول على تنازلات مُهمّة في المقابل. وهو يدعو إلى تعزيز ميزانية الدفاع الأميركيّة، ليس لخوض الحروب، بل للحفاظ على التفوّق العسكري الأميركي. ويُشدّد جاب بوش على ضرورة أن تستعيد الولايات المتحدة الأميركيّة هيبتها في العالم، من دون إرسال قوّاتها إلى ساحات الحرب، بل عبر نسج تحالفات ذكيّة وفعّالة مع قوى صديقة، وعبر دعم جماعات حليفة ضد القوى المدعومة من خصوم واشنطن.
في الختام، من المُبكر الجزم من اليوم بمن سيتواجه في الإنتخابات الأميركية العام المُقبل، لكن في حال إنحصرت المعركة بين كلينتون من جهة وبوش الحفيد من جهة أخرى، فإنّ فوز كلينتون يعني تلقائياً العودة إلى سياسة "الدبلوماسيّة النشيطة" التي كانت سائدة في عهد بيل كلينتون، وسعي واشنطن لتسوية الكثير من المشاكل العالقة عن طريق المفاوضات، بينما فوز بوش يعني تلقائياً العودة إلى جزء من "السياسات الحربيّة" التي كانت سائدة في عهدي جورج بوش الأب والإبن، باعتبار أنّ جاب بوش الذي يقول إنّه يملك قراره يستعين بالكثير من مساعدي شقيقه ووالده لإدارة حملته الإنتخابيّة! لكن طبعاً، وبغضّ النظر عن إختلاف الأسلوب، فإنّ الخطوط العريضة للسياسة الأميركيّة، والمشاريع الأميركيّة الأساسيّة، ستبقى قائمة بغضّ النظر عن الوجه الحاكم في البيت الأبيض.