يعيش اللبنانيون اليوم كما الأمس وغداً في غرفة الانتظار على إيقاع ساعة الإقليم المتفجر، والذي يعيش مرحلة من أخطر مراحل تاريخه، لا بل إنه محور حرب عالمية بالوكالة تجري على أرضه، ولا يُعرف متى تنتهي. ولئن كان الإقليم المتفجّر قد لفح لبنان بناره في أوقات عدّة، فلا شيء يشي بأن اللبنانيين قد وعوا أهمية وخطورة ما يحصل، وتواضعوا في وضع التوقّعات بإلغاء بعضهم بعضاً.
وفي خضم التحولات في المنطقة، يبدو التناقض جزءاً من شخصية اللبناني العصيّة على الفهم، ويبدو هذا هذا التناقض جلياً في مواقف عدّة يمكن إيجاز بعضها بما يلي:
1- شهود المحكمة الخاصة بلبنان - وهم بالمناسبة من السياسيين المحظيين في عهد "الوصاية السورية" على لبنان - ما انفكوا منذ بدء الاستجوابات والإدلاء بإفاداتهم يتحدثون عن "ترهيب" رستم غزالي، وقيامه بإذلالهم، وقبض الرشى وتهديدهم بالقتل، والتهديد بتكسير لبنان على رؤوسهم.. لكن ما أن مات غزالي حتى بدأت تغريدات من يدور في فلك هؤلاء، وبعضهم ممن أدلى بشهادته أمام المحكمة، تتباكى على الرجل، معتبرة أن "النظام صفّاه" كما فعل بغيره ممن حكموا لبنان في تلك الفترة من الحكم المشترك بين هؤلاء والسوريين، وهي المرحلة التي تسأل المحكمة هؤلاء عنها. وهكذا، احتار اللبنانيون ماذا يصدقون، وكيف يحكمون على رستم غزالي، وهل رستم - لاهاي غير رستم - ريف دمشق؟
2- يطالعنا السياسيون اللبنانيون ليل نهار بضرورة تحييد لبنان عن الصراعات القائمة في المنطقة، وعن خطورة استجلاب النار إلى الداخل اللبناني، وأن النار لو اندلعت لحرقت الأخضر واليابس، لكن لم نسمع أياً من هؤلاء امتنع عن التدخّل وإبداء الرأي و"المساعدة" في الموضوع السوري أو العراقي أو حتى اليمني الذي انقسم حوله اللبنانيون بشكل تشعر وكأن اليمن دولة على الحدود اللبنانية، وتربط لبنان بها علاقات جوار، وحدود مشتركة، وعائلات تعيش على الحدود بين البلدين.شعر اللبنانيون بعد الأزمة اليمنية وكأنهم مسؤولون مباشرة عن الصراع في اليمن، وبات المحللون الدائرون في فلك كل طرف ينظّرون حول القبائل اليمنية وأصولها، وينبشون التاريخ المشترك بين السعودية واليمن للحديث إما عن مظلومية ما، أو عن علاقات سويّة بين البلدين الجارين.. وفي خضّم هذا الانقسام العامودي حول اليمن، ممنوع الحياد، وممنوع التفلّت بكلام من هنا أو هناك لا يطابق المواصفات المطلوبة للتصفيق والطاعة العمياء.
عاش اللبنانيون مشاكل اليمن وعائلاته وأصوله الدينية، وباتوا يحللون في أسس الصراع القبائلي، كما عاشوا الصراع السوري بأدق تفاصيله. وإذا كان لسورية تاريخ وجغرافيا مشتركة مع لبنان تبرر هذا الترابط، فماذا يعرف اللبناني عن الحوثيين في اليمن، وعن قبائل نجران وغيرها؟ وما الذي يعنيه في دهاليز القصور السعودية؟ ولا شكّ أن خبر إقالة ولي العهد مقرن بن عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل، ستشي بكثير من التحليل والتفنيد ونظريات المؤامرة على شاشات محطات التلفزة اللبنانية.
الأكيد، أن لبنان يعيش على صفيح ساخن، والأكيد أن النفاق اللبناني في التأييد والتهليل واستغلال النفوذ برز في شهادات المحكمة الخاصة، خصوصاً الذين أفاضوا في الحديث عن مرحلة حكم رستم غزالي للبنان، والتي كانت تفترض منهم - على الأقل- موقفاً مغايراً في تغريداتهم المتباكية.. ويبقى السؤال: هل يمكن أن يتفق اللبنانيون على شيء كما أجمعوا على التنديد والسخرية من قانون السير الجديد؟