فجأة ومن دون سابق إنذار، تزاحمت الملفات دفعة واحدة في الداخل اللبناني...
فيما كانت القلمون ولاهاي تتقاسمان جذب الأنظار، بين "شهادة العصر" التي بدأها رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، و"معركة كسر العظم" التي بدأت بشكلٍ أو بآخر في جرود القلمون والتي يُعتقَد أنّ الكثير سيُبنى عليها، أطلّ "شبح الاغتيالات" برأسه من جديد، ولكن من خلال "رواياتٍ صحافية" بالجملة، تعدّد "ضحاياها" وتنوّعوا من حيث الانتماءات السياسية والطائفية، بل ومن حيث الجنسية أيضًا.
وإذا كان المخطط القديم الجديد يبقى "فتنويًا" من وراء كلّ عمليات التخريب في لبنان، سواء كانت معنوية أو مادية، فإنّ أسئلة كثيرة تُطرَح عن أسباب "التوظيف السياسي" الذي تبنّاه البعض سريعًا، من دون انتظار مجرّد تأكيدٍ رسمي للمعلومات المتداولة..
السفير السعودي مهدَّدٌ..
لعلّ أكثر "الروايات" تداولاً على هذا الصعيد خلال الساعات الماضية كانت "الرواية" التي تحدّثت عن محاولة لاغتيال السفير السعودي علي عواض عسيري، وهو الموجود في السعودية منذ الخميس الماضي، الأمر الذي ربطه البعض بالكشف عن هذا المخطط، قبل أن ينفي الرجل ذلك ويؤكد أنه عائدٌ إلى بيروت.
السفير السعودي "المهدَّد" قال أنه ينتظر "توضيحًا رسميًا" من قبل الأجهزة الأمنية حول صحّة التقارير الإعلامية التي تمّ تسريبها، لكنّ ذلك لم يمنعه من "قطف الثمار"، على حدّ تعبير مصادر سياسية متابعة، وهو الذي تحوّل إلى "نجمٍ إعلامي" من الطراز الأول منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" التي حوّلته من "دبلوماسي" على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الأفرقاء، إلى "طرفٍ" لا يتردّد في "معاداة" جهاتٍ سياسيةٍ محلية والتحريض عليها بشكلٍ أو بآخر.
من هنا، تتوقف المصادر عند فحوى تصريحات السفير السعودي، الذي تحدّث عن محاولة اغتيال أخرى كان قد تعرّض لها قبل عام وبقيت طيّ الكتمان، في محاولةٍ لتأكيد أنّ استهدافه ليس بجديد، وبالتالي قد لا يكون مرتبطاً بشكلٍ مباشر بالتغييرات الحاصلة في القيادة السعودية وسياستها، التي ترجِمت عمليًا من خلال عملية "عاصفة الحزم".
ماذا عن الاتهام السياسي؟
وإذا كان السفير السعودي رفض ربط الحديث عن محاولة اغتياله بشكلٍ مباشر بالأجواء المشحونة ضدّ السعودية من قبل "حزب الله"، مكتفيًا بالقول أنّه استهدافٌ للعلاقات بين السعودية ولبنان بالدرجة الأولى، فإنّ آخرين لم يتردّدوا في توجيه أصابع الاتهام صراحة أو مواربة إلى "حزب الله"، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر عضو "كتلة المستقبل" النائب أحمد فتفت الذي اعتبر أنّ الأمر، حتى لو كان إشاعة، يحمل في طياته تهديدا غير مباشر للسفير السعودي، وقرأ فيه دليلاً على أنّ "حزب الله لم يغير نهجه الإلغائي القائم على التهديد والقتل، لأن حزب الله يعمل بشدة على مواجهة الدور السعودي الجديد في المنطقة".
"هو اتهامٌ سياسي لا أكثر ولا أقلّ"، تقول مصادر في قوى الثامن من آذار تعليقاً على هذا الكلام، قارئة فيه "استغلالاً رخيصًا" لجرمٍ لم يحدث أصلاً، ولنوايا جرمية لم تثبت هي الأخرى سوى على بعض المنابر الإعلامية التي تفتقد عمومًا للمصداقية. من هنا، ترى المصادر أنّ الأحرى كان بالسفير السعودي والنائب فتفت وغيرهما أن يتروّيا ولا يسارعا لتوجيه الاتهامات من دون الحدّ الأدنى من التدقيق المطلوب في مثل هذه الحالات.
وتشدّد المصادر في هذا الإطار على وجوب التمييز بين الاختلاف في السياسة والاغتيال السياسي، لأنّ الأول هو أمرٌ صحي يدلّ على التنوّع، فيما الثاني هو دليل إفلاس، وهذه ليست حالة "حزب الله" في هذه المرحلة. وفيما لفتت إلى أنّ السفير السعودي ليس وحده المهدَّد، وهو ما أكّدته الكثير من التقارير، سألت عمّا إذا كان "تيار المستقبل" يقبل باتهامه مثلاً بمحاولة اغتيال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهي التي سُرّبت إعلاميًا أيضًا أكثر من مرّة، بسبب اختلافه معه في السياسة، كما يفعل فتفت مثلاً.
فتنة من صيدا..
مخطط استهداف السفير السعودي لم يكن وحده الذي تناقلته وسائل الإعلام خلال الساعات الماضية، وإن حظي بـ"طنّة ورنّة" جعلته يتفوّق على ما عداه، فقد تسرّبت أيضًا معلوماتٌ شديدة الخطورة عن مخطط مزدوج يستهدف مدينة صيدا من خلال النائب بهية الحريري ونجلها الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري، وفي الوقت نفسه إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود والمسؤول في "سرايا المقاومة" محمد الديراني.
برأي المصادر، فإنّ مجرد الاطلاع على الأسماء المستهدَفة بهذا المخطط، إذا كان صحيحًا، يكفي للتأكيد على أنّ المخطط يتجاوز هذه الشخصيات ليعبّر عن "مؤامرة" بكلّ ما للكلمة من معنى تستهدف الوطن برمّته، من خلال الضرب على وتر "الفتنة"، التي تصرّ المصادر على أنّها لم تعد نائمة كما يقول من يحذرون من إيقاظها، بل باتت مستيقظة ومتأهّبة، تبحث عن "البيئة الحاضنة"، التي تسمح لها بالانتشار، بشكلٍ يسمح بنقل عدواها، لتحقيق أهدافها الجهنّمية والشيطانية المرجوّة والمنشودة.
وتقول المصادر أنّ هذه المعلومات قد تكون دقيقة، خصوصًا في ظلّ التقارير الأمنية المسرّبة عن نشاطٍ غير عادي تمارسه خلايا الإرهابي الفار من وجه العدالة أحمد الأسير في عاصمة الجنوب، علمًا أنّ الأجندة الفتنوية للأخير ليست خافية على أحد وهو لم يعدّل شيئًا فيها منذ تواريه عن الأنظار بعيد معركة عبرا الشهيرة، وهو لا يزال يتحيّن الفرصة المناسبة للعودة إلى الساحة متى حصل على "الضوء الأخضر" من قبل الجهات الإقليمية التي لا تزال راعية له للأسف الشديد. وتشدّد على أنّ المطلوب لمواجهة هذا المخطط هو الابتعاد عن تقاذف كرة المسؤولية وتبادل الاتهامات السياسية، بل التحصّن بوحدةٍ وطنيةٍ إسلاميةٍ مسيحيةٍ حقيقية، لأنّ مثل هذه الوحدة وحدها قادرة على تجنيب البلاد والعباد المصير المشؤوم الذي يعمل عليه الإرهابيون.
كلّ السيناريوهات واردة..
حتى الساعة، كلّ مخططات الاغتيالات تقع في خانة "الروايات". ولكنّها "روايات" تحتمل من الصحّة الكثير، كما تؤكد المصادر، التي ترى أنّ الساحة اللبنانية لا تزال مفتوحة على كلّ السيناريوهات وكلّ الاحتمالات وكلّ المخططات.
لكنّ الأصول تبقى في كيفية مقاربتها ومواجهتها، مواجهة يجب أن تكون بتضامن وطني حقيقي، لا باستغلالٍ رخيص بعيدًا عن مكاسب لن يهنأ بها أحد متى سقط الوطن!