في السادس من أيار تحيي الصحافة اللبنانية ذكرى شهدائها الذين سقطوا في العام 1916 حين علقت المشانق لعشرات الصحافيين في ساحة البرج لمطالبتهم بالإستقلال، ومذ ذاك الوقت والصحافة في لبنان يغذيها "شهداء" يذهبون فداء الكلمة الحرة أو الموقف الجريء أو حتى الطموح اللامحدود...
حرية الاعلام
لم تعد تحمل هذه الذكرى معناها الحقيقي فقد باتت تنحصر في وضع إكليل من الورود على نصب شهداء نذكرهم في هذا اليوم فقط، في وقت تحوّلت الصحافة من "البحث عن المتاعب" الى مهنة محفوفة بالمخاطر خصوصاً مع ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي" الذي يعصف بالمنطقة وتوسّع آفاق الصحافي لينطلق الى كلّ مكان لتغطية الحدث، ومن لبنان الى المنطقة تعددت الآراء حول حرية الإعلام...
فمدير قسم الأخبار في قناة "أم تي في" وليد عبود يرى عبر "النشرة" أن "الاعلام اللبناني يتمتع بهامش من الحرية خصوصاً بعد الإنتهاء من زمن "الوصاية السياسية والعسكرية" فلم نعد نشعر بذاك السيف الذي كان مسلطاً فوق رقابنا طيلة الحقبة الماضية"، لافتاً الى أن "التعبير الإعلامي في لبنان يكاد يكون من الأغنى في العالم".
لمديرة قسم الأخبار في قناة "الجديد" مريم البسام كلام آخر، فهي التي تناولت قضية الهجوم المركّز على الصحافيين ومحاكمتهم لابدائهم رأيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واصفةً "إلقاء الحرم عليهم لإستعمالهم هذه الوسائل الفعالة بالأمر الخطير". وتطرقت البسّام كذلك الى قضية "الصحافة الأمنيّة" المرتبطة بشكل أو بآخر بتغطية الأحداث في منطقة الصراعات، مطالبةً "بهامش من التحرك للصحافيين في تلك الأماكن دون تصنيفهم مع جهة دون أخرى في حال دخلوا منطقة نزاعات، فالمشهد العربي يحتاج الى عين مجرّدة وليس الى اصطفافات".
إعلام مرتهن
أما الإعلامية ندى إندراوس عزيز التي إختارت هذه المهنة لإيمانها بالكلمة وبأن الصحافة رسالة مهمة فهي لا زالت تؤمن بحرية الإعلام رغم إعتبارها أن "الإعلام اللبناني وبمعظمه بات مرتهناً بإرادته لأسباب سياسية ومذهبية وطائفية وحتى مالية".
تغطية معنوية
أمام كلّ هذه الآراء وعند الوقوع بالمشكلات عادة ما يلجأ الأشخاص الى نقاباتهم لتكون هي المدافع الأول عن حقوقهم. وهنا يشير نقيب المحررين الياس عون عبر "النشرة" الى أن "النقابة تقدم التغطية المعنوية لأي إعلامي يتعرض لمشكلة، فهي ضمانتهم وملجأهم"، مشيراً الى "عدم تمتع الإعلام بالحرية الكافية في لبنان او في العالم بسبب الألاعيب السياسية والمالية فيه".
أما نقيب الصحافة عوني الكعكي فيرى أن "عظمة لبنان هي في الحرية والديمقراطية التي يتميزان بها عن بقية الأنظمة في العالم ولكن كما في كلّ مكان فالحرية لها ثمن والصحافيون هم أول من يدفعونه".
لتأسيس نقابة تمثل الهواجس
في كلّ القطاعات في لبنان النقابة هي الملاذ الآمن للموظف تحميه وتدافع عنه وتؤمن له تقاعده إلا في الإعلام... "فنقابة المرئي والمسموع التي سعى عدد من الإعلاميين الى تأسيسها جاءت ولادتها قيصرية بسبب الإختلافات بداخلها".
هذا ما يشير اليه عبود، لافتاً الى أننا "مقصرون بالمطالبة بنقابة حقيقية تمثل هواجسنا وتدافع عنا في وجه من يحاول الحدّ من حريتنا"، مشددا على أن "الكثير من القطاعات أصبحت مؤمنة على الصعيد الطبي والتعليمي بينما نحن لا نملك حتى صندوقاً تعاضدياً".
أما ندى اندراوس عزيز فتتساءل "متى رأينا نقابة تتحرك لتدافع عن حقوق إعلامي طرد تعسفاً"؟!، واصفةً "النقابات الموجودة والتي تحضن الاعلاميين بأندية خاصة للمتقاعدين يتجمعون لخدمة مشروع سياسي أو أصحاب مؤسسات".
لم تعد مهنة الصحافة تقتصر على المتاعب بل تجاوزتها لتصبح مهنة الخطر والتحدي. وفي ذكرى السادس من أيار دعوات أطلقها الإعلاميون لتذكر ما مررنا به في ذلك اليوم وللتفكير بتأسيس إطار جديد يحمي الحريات، ويحصنها بمعالجة الأمور المطلبية... فهل تنجح المطالبات أم تبقى مجرّد أمنيات يمحوها الزمن؟!
تصوير تلفزيوني علاء كنعان