في ظل التطورات المتسارعة على صعيد منطقة الشرق الأوسط، يبدو لافتاً التقارب السعودي الفرنسي بالنظرة إلى القضايا العالقة، لا سيما الملف النووي الإيراني والتطورات السورية، حيث تسعى باريس إلى مراعاة الهواجس السعودية منها أكثر من حليفتها التاريخية واشنطن، الأمر الذي إنعكس توقيعاً لأكثر من إتفاقية إقتصادية أمنية بين الجانبين أولاً، وحضور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، كـ"ضيف شرف"، على طاولة قمة دول مجلس التعاون الخليجي ثانياً، قبل أن ينتقل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة، حيث سيلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما لبحث آخر التطورات.
تاريخياً، كانت العلاقات السعودية الفرنسية متأرجحة، تصعد وتهبط على ضوء مسار العلاقات السعودية الأميركية، حيث كانت الرياض تلجأ إلى باريس عندما تريد أن ترسل رسالة إعتراضية إلى واشنطن، مقابل أن تبرم معها الصفقات التي تنعش خزينتها، من دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال قطع العلاقات مع الحليفة الإستراتجية.
حول هذا الموضوع، من الضروري التذكير بأن الملك فيصل بن عبد العزيز، بعد هزيمة الدول العربية في الحرب مع إسرائيل عام 1967، وجد في بناء علاقة مميزة مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول، الفرصة المناسبة للإعتراض على الدعم الأميركي لتل أبيب، إلا أن الخدمة الأبرز، التي قدمتها باريس إلى الرياض كانت، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، حيث ارتفع آنذاك منسوب توتر العلاقات الأميركية السعودية، إلا أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك لعب دور الوسيط بين الجانبين.
اليوم، يبدو واضحاً التطور القائم على صعيد العلاقة بين البلدين، سياسياً وإقتصادياً، حيث تكفي الإشارة إلى صفقات السلاح التي تبرم بين فرنسا والدول الخليجية، والمشاريع الإقتصادية التي تبحث في هذه المرحلة، والتي كان آخرها ما يقارب العشرين مشروعًا، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والسبب أيضاً توتر العلاقات بين واشنطن والرياض، بسبب موقف الأخيرة من الملف النووي الإيراني وتطورات المنطقة، وهنا تقدم باريس مقابل الدعم المالي الذي تتلقاه المواقف السياسية التي تتناغم مع الهواجس السعودية، ولكن هل تستطيع أن تكون فرنسا بديلاً جدياً عن الولايات المتحدة؟
عملياً، لا يبدو الأمر وارداً بأي شكل من الأشكال، فلا الرياض راغبة بقطع علاقاتها الإستراتيجية مع واشنطن في ظل الإنفتاح الأميركي الإيراني، ولا باريس قادرة من حيث الإمكانيات على الحلول مكانها، ويؤكد استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور إبراهيم شاكر، في حديث لـ"النشرة"، أن فرنسا قادرة على لعب دور في حال التناقض لإثبات الوجود لا أكثر، وهي دائماً بهذا التوجه حيث تسعى إلى القول أنها لا تزال من القوى العظمى، لكن عملياً هي لم تعد كذلك، حتى الإتحاد الأوروبي برمته يدرك أنّها قوة رديفة للدور الأميركي.
لا يمكن لفرنسا أن تطمح للعب دور أكبر من ذلك، هذا ما يشدد عليه شاكر، وبالتالي دورها سيبقى محدوداً حتى إشعار آخر، ومن جانبها الرياض تدرك أنها غير قادرة على التخلي عن الدور الأميركي التاريخي الداعم لها، ولا يمكن الحديث عن تغيير على مستوى الدول الكبرى في المنطقة، فالولايات المتحدة لا تزال هي المقرر بشكل أساسي، بالرغم من كل التحولات الحاصلة.
بدوره، يوضح الصحافي المتخصص في الشأن الخليجي نضال شقير، عبر "النشرة"، أن السياسة الفرنسية في عهد الرئيس الحالي فرنسوا هولاند مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في عهد سلفه نيكولا ساركوزي، الذي كانت علاقاته الخليجية محصورة بالدولة القطرية، ويشير إلى أن فرنسا اليوم تقطف ثمن وقوفها مع الدول الخليجية، حيث قدمت لها الدعم في مواقفها من أكثر من ملف، لا سيما النووي الإيراني والأزمة السورية، على عكس الجانب الأميركي، الذي شعر الخليجيون أنه يلتف عليهم بالتفاوض مع إيران والحديث عن ضرورة مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في الحل.
من وجهة نظره، يرى شقير أن الرياض لا تبحث فعلياً عن بديل لواشنطن، لكن باريس قادرة على خلق توازن في العلاقات الدولية، وبالتالي العلاقة معها أمر مفيد، وفرنسا أيضاً مستفيدة من هذا الأمر على أكثر من صعيد، ويعتبر أن الصفقات التي تبرم معها في هذه المرحلة أمر طبيعي، حيث حصلت على نحو 17 مليار دولار من الدول العربية من صفقات بيع السلاح فقط حتى الآن (4 مليارات من الهبة السعودية المقدمة إلى لبنان، 7 مليارات من صفقة الرفال مع قطر، 6 مليارات من صفقة الرفال مع مصر)، إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق التخلي عن التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة.
في المحصلة، لا يعني التقارب السعودي الفرنسي الجديد قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، هو ليس أكثر من سعي إلى إرسال رسالة إعتراضية، ولكن يبدو أن واشنطن سلكت طريق فتح صفحة جديدة مع طهران تقوم على التعاون أولاً.