التقدم الذي حققه حزب الله في مناطق القلمون السورية يأتي في اطار الانجاز الاعلامي والمعنوي اللبناني الذي يريد توجيهه الى جمهور الحزب ومناصريه، اكثر مما يمكن ادراجه في سياق الانجاز العسكري الذي يغيّر في مسار الاحداث السورية.لم يدّع حزب الله ان معركة القلمون انتهت الى هزيمة قوى المعارضة المسلحة، او يمكن ان تؤدي المعارك لاحقة الى القضاء على هذه المجموعات.
ولأن الحدود بين لبنان وسورية ليست قائمة في حساب المعارك التي يخوضها حزب الله داخل سورية، واصبحت مفتوحة كما قال زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله اكثر من مرة، فان حزب الله سيبقى حاضرا في معركة الدفاع عن نظام الاسد، الى حين تبلور اما اتفاقات اقليمية او تبدل في موازين القوى على الارض يؤدي الى انتصار فريق على آخر.
لم تعد مسألة انخراط حزب الله في القتال داخل سورية تثير بلبلة في الداخل اللبناني. مستوى الاهتمام تراجع، وسط ادراك عام بأن قتال حزب الله في سورية بدأ يتحول الى عبء ثقيل على حزب الله نفسه وليس فقط على لبنان، وهو مرشح الى المزيد من الأعباء التي يشير اليها تطور احداث نقل حزب الله من موقع القتال الهجومي الى القتال الدفاعي. وهذا في مقابل تطور ضمن مسار المعارضة السورية، برز من خلال خطوات قامت بها فصائلها المسلحة على صعيد توحيد غرف العمليات، وعلى صعيد الانجازات العسكرية في الشمال السوري وفي ادلب.
كما يأتي تقدم المعارضة السورية في ظل سلسلة مؤشرات اقليمية تظهر بشكل واضح وجود تحول في ميزان القوى الاقليمية على مستوى المنطقة محكوم بخطين متوازيين:
الاول: انجاز الاتفاق النووي الذي تقوم ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما ومكتب المرشد السيد علي خامنئي، باعداد الاوراق النهائية لهذا الاتفاق ليكون ناجزا بأدق التفاصيل قبل نهاية الشهر المقبل.
الثاني: هو لائحة المطالب العربية التي حملها قادة الخليج الى الرئيس الاميركي في كامب دايفيد، وان لم يستجب لها الرئيس الاميركي، لا سيما في الشأن المتصل بخطر ايران على الخليج والمنطقة العربية.
الا ان ذلك لا يمنع من ملاحظة ان الحكومة العراقية التي تحظى بدعم ايراني سلمت بأن الشأن العراقي لم يعد ايرانيا بالكامل، بعدما بدأت الادارة الاميركية بتسليح مباشر للعشائر السنية وللاكراد بمعزل عن الحكومة العراقية او الموقف الايراني. كما ان احراج ايران في اليمن، من خلال عجزها حتى عن خرق الحصار على اليمن بسفينة محملة بالمساعدات، والتزامها بشروط التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. اذ انها لا تجرؤ على خرق القرار الدولي او القيام بأي خطوة جدية لكسر الحصار او المسّ به. اللهم الا تلك الاستعراضات التي يقوم بها بعض الجنرالات الايرانيين والتي تبقى مفهومة من الادارة الاميركية، عشية التوقيع على الاتفاق النووي.
التراجع الايراني في العراق وفي اليمن وصولا الى سورية، وان كان نتيجة سياسات ايرانية لم تلق تقبلا في بيئات واسعة في البلدين، الا ان السياسة الاميركية تتقاطع مع مطلب عربي رفعه قادة الخليج، بضرورة تقليم اظفار ايران في المنطقة العربية. لكن ليس الى الحدّ الذي يريده قادة الخليج. اي ليس الى حد أن تتبنى واشنطن منطق المواجهة مع ايران على الساحات العربية. من هنا يمكن فهم عدم قيام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالمشاركة في قمة كامب ديفيد، وهي رسالة انزعاج سعودي من السياسة الاميركية في المنطقة، وتحديدا من سياسة اوباما.
المراقبون في واشنطن يؤكدون ان الملف السوري قد يكون احد الملفات التي يمكن ان تشهد مستوى من التوافق الاميركي – الخليجي في هذه القمة. بالتأكيد لا أحد يتوقع نتائج سريعة في المدى القريب، لكن ثمة مرحلة جديدة يمكن القول خلالها ان ملف الأزمة السورية وضع على نار حامية. ليس نحو ايجاد حل، بل في سياق تنظيم صفوف معارضة تحقق فصائلها العسكرية سلسلة انتصارات في اكثر من منطقة سورية. وهي مقبلة على خطوتين يرجح ان تكون حماه ثم حمص، في معركتين مفصليتين ضمن مسار الازمة السورية.
لا موافقة اميركية على منطقة حظر جوي فوق سورية. هذا هو الردّ الاميركي على مطالب المعارضة والدول الاقليمية الداعمة لها.
يبقى ان مشهد القلمون كشف خلال مسار تقدم حزب الله ان موضوع انهاء المعارضة المسلحة لم يعد مطروحا لدى الحزب كما كان في السابق. بل نحن في مرحلة انتقال المعارضة السورية من استعادة التوازن الى الهجوم. وهي مرحلة على مستوى كل الاراضي السورية. لذا تبقى معركة القلمون تفصيلا في مسار الازمة السورية لن تغير في موازين القوى وان كانت تؤشر لفصل استنزاف جديد لقوى حزب الله.