اتت اطلالة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله منذ يومين بمكانها بالتمام والكمال من حيث التوقيت العسكري والسياسي. فمن حيث التوقيت العسكري، كان لا بد من التوجه بكلمة بعد معركة القلمون التي انتهى القسم الاكبر منها بعد استعادة "حزب الله" والجيش السوري تلالاً استراتيجية بالغة العلو تسمح بالسيطرة النارية على المناطق المجاورة وتقطع بالتالي شرايين الحياة بالنسبة الى المسلحين في تلك البقعة الجغرافية، كما انه كان من المهم ايضاً الكلام بعد التراجع العسكري لقوات الجيش السوري، وشبه مراوحة ميدانية لعناصر الحزب في سوريا.
اما من حيث التوقيت السياسي، فحملت الاطلالة طمأنة اولاً لمؤيدي الحزب الى صحة نصرالله بعد الشائعات التي تناولته (وهي ليست الاولى من نوعها)، والتوتر السياسي المتصاعد في الداخل وفي اليمن والبحرين، اضافة بالطبع الى مسألة رئاسة الجمهورية.
من استمع الى كلمة نصرالله يمكنه التوقف عند العديد من الامور، وما يجب التنبه اليه كثير وليس بالسهل حصره واختصاره، الا ان سلسلة نقاط لفتت انظار المتابعين، لعل اهمها:
- عدم الاشارة الى الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي شكلها بنيامين نتانياهو، رغم الحديث عن النكبة وعن اوضاع الفلسطينيين، علماً ان الحكومة الحالية قد تكون الاكثر تطرفاً في الفترة الاخيرة وهي لاقت انتقادات حادة حتى من حزب الليكود.
ويمكن عزو سبب عدم ذكر الحكومة الاسرائيلية الجديدة، الى التركيز على "الخطر التكفيري" الذي يعتبره "حزب الله" اكبر من خطر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته حالياً.
- اعادة احياء معادلة "الشعب والجيش والمقاومة" بشكل فعلي وليس نظرياً فقط، من خلال كلامه عن استعداد المواطنين لتحمل مسؤولياتهم في حال تقصير الدولة في الدفاع عن الارض، غامزاً من زاوية سقوط الخطوط الحمراء اذا ما اقتضت الحاجة، اي بمعنى آخر عدم الخوف من التهديد بفتنة سنية-شيعية اذا ما وصلت الامور الى حد توسيع رقعة المسلحين جغرافياً في مناطق خارج حدود الحصار المفروض عليهم.
من هنا ايضاً، اتى الكلام الواضح حول عدم رغبة الحزب في توريط الجيش اللبناني والحرص على كل قطرة دم من ضباطه وجنوده، لاراحة الجيش من اي مسؤولية في ما خص انعكاس المعركة على العسكريين المخطوفين او من خلال اضطرار الجيش للتقيّد بالاوامر السياسية كي لا يقوم بمهمته كاملة. ولكن في الشق الثاني من الموضوع، كانت الدعوة صريحة الى الحكومة والقوى السياسية الاخرى بوجوب عدم التهاون مع اي امكانية لتحرك المسلحين، لان نتيجتها لن تكون السكوت والتفرج بل التدخل عبر "الاهالي" وليس عبر "حزب الله"، ولا شك ان الرسالة وصلت.
- ان الاعلان عن ان "عدد شهداء حزب الله في المعركة حتى الآن هو 13 شهيدا ومن الجيش السوري والقوات الشعبية المساندة له 7 شهداء"، فعل فعله لدى الرأي العام، واتى ليقابل العدد الكبير الذي نشره بعض وسائل الاعلام من خسائر بشرية للحزب في معركة القلمون. وفي ظل هذا الوضع (اي كلمة الحزب ضد كلمة معارضيه)، بدا ان هدف نصرالله من "معركة الاعداد" هو التدليل على استراتيجية الحزب والتحضير الواسع للمعركة بحيث انه اكد على حصول معارك عنيفة لكن حصيلتها لم تكن عالية جداً على الحزب، وهو امر يضعه في خانة التفوق على المسلحين من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية، ويعطي دفعاً معنوياً مهماً لعناصر الحزب والجيش السوري.
- لم تأت مقارنة نصرالله للسعودية باسرائيل على سبيل الصدفة، فقوله ان "العدو الإسرائيلي المجرم والمتوحش الذي ارتكب المجازر لم يقصف الأضرحة ولا المقامات بينما السعودية قامت بذلك"، رأى فيه البعض ابعد من مقارنة نظرية. وذهب هذا البعض الى القول ان هذه المقارنة قد تكون مؤشراً الى استعداد الحوثيين لمواجهة السعودية على غرار ما فعله "حزب الله" في الجنوب مع اسرائيل، اي بمعنى آخر ان التفوق الجوي للسعودية سيقابله تفوق على الارض للحوثيين الذين قد يعوضون نقص السيطرة الجوية بعمليات حدودية في مواجهات قد تستمر طويلاً على هذا النحو، شهدنا بعضاً منها في الآونة الاخيرة.
- اما على صعيد الداخل، فكان بارزاً رد التحية لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون (لجهة عدم تصعيد الاخير الى السقف الذي تمّ الترويج له قبل المؤتمر الصحافي) بتفعيل الحديث عن وجوب البحث في ما قدّمه من مخارج، ما قد يؤشر الى ان وتيرة الحديث عن طروحات العماد عون ستتصاعد خلال الفترة المقبلة وخصوصاً مع حلول الذكرى السنوية الاولى لوصول الفراغ الى قصر بعبدا.